------------ --------
Share |

الحوار الخفي للاديان

شذى احمد
shathaah@maktoob.com
الحوار المتمدن - العدد: 2889 - 2010 / 1 / 15
المحور: المجتمع المدني



ان مايشهدة الاعلام العربي حاليا"- المرئي والمقروء- وبالتحديد على شبكات الانترنيت من انتشار كبير للمواقع التي يمكن تصنيفها بالدينيةوتناولها المواضيع الدينية تحديداّ. يؤكد حرص المساهمين والمحررين لها على نشر مبادئهم وافكارهم وبالتالي كسب الجماهير العريضة في انتخابات لا جدول زمني لنهايها او تحديد لفترة صلاحيتها. وبالتحديد بين الدينين الاوسع انتشارا" المسيحية والاسلامية.
ان الاقتراب من مناقشة هذه المواضيع الشائكة يعني بالفعل الاقتراب من الغام قابلة للانفجار والحاق الدمار الفعلي باي شخص يتناولها. ولكن السكوت ايضا" يعنى الجبن حتى عن ابسط الاختيارات التي اختارها السلف البعيد لينحدر الجيل الجديد اما مسيحيا" بالوراثة او مسلما" وبفروعه المتعددة اعني اما مسيحي كاثولكي او بروتستانتي ، او شرقي ارثدوكسي . اما على الضفة الاخرى مسلم سني او شيعي ، وبالفروع المعروفة حسب المذاهب والفرق والاتباع والمعتقدات التي توارثناها ولكسل الجيل الجديد بكل شيء فهو لا يعنى احيانا حتى بمعرفة ما يكون او قدر له ان يكون . المهم انه ولد هكذا وعليه ان يكون هكذا ويموت على ما ولد عليه.
سيكون كل ذلك مقبولا" وطيبا" لولا ما اصاب العالم من ويلات الاصطفافات الغير مسؤوله .كذلك لولا سرقة البعض المعدود لمقدرات العام الاشمل والادعاء بتمثيلها وجر الويلات عليها وعلى مصيرها. أولئك الذين وسموا المسلمين بالارهاب حتى غدا من الصعب التفرقة بينهما في احيان كثيرة . فصار كل من المسلمين مطارد بلعنة الارهاب ووسمه المخزي.
يكاد القارئ ان يقول كل هذا وذاك عرفناه وانه ليس بالجديد فاقول تماما" لا خلاف على ذلك لكن ما حملني لكتابة الموضوع هو ليس عمل تلك الفئة الصغيرة بل كل ما يقف على هذه الضفة في مقابل تلك. لأوضح مقصدي بالقول ان كل تلك المعارك التي تبدو بلا اسلحة دمار واضحة لكنها في نفس الوقت مميتة بين المسلمين والمسيحين وكلاهما تسلح باحدث الوسائل التقنية في مقارعة الثاني ومحاولة النيل منه.
الى وقت قريب كانت عندما تعرض لنا قنواتنا وافلامها وغيرها المسيحيين تعرضهم بانهم اقرب منهم الى البساطة والدعة منهم الى الحزم والقوة وان كنت ارغب بان اكون شديدة الحذر في كلماتي ولا اقول كلمة اخرى لا تخفى على بال اللبيب ، لذا تربى الجميع على ان المسيحين هم جزء من شعب يعيش في عالم اخر لا يشبه عالمنا ولا يقترب منه ، ولان الشريعة الاسلامية صارمة كثيرا بشان المرأة على التحديد وكيفية تزوجها وتقرير مصيرها والذي يكون على الاغلب بايدي ولي الامر فان اهم اسباب الصدام بين الدينين كان مستبعدا" في اقل تقدير لان المرأة المسلمة كانت شبه ان لم تكن مستعبدة بالمطلق ولا يمكنها اتخاذ اي خطوة لكسر حاجر المنع الذي يعده المسلمون سماويا" لامجال حتى للخوض فيه على عكس الرجل الذي يبيح له الدين الاسلامي الزواج من كل الاديان والاعراق والمعتقدات ، وشراء واقتناء ما لذ له وطاب عن طيب خاطر بملك اليمين. ولان السلطة والسطوة بيده فكان على مر العصور يمارسهما على افضل وجه وعلى خير ما يرام لخدمة مصالحه واغراضه الشخصية.
حتى جاء عصر تكسرت به قيود المجتمعات الانسانية بارادة وبدون ارادة شعوبها . وتطلعت العيون راغبة ام مرغمة على عوالم لم تكن ابدا" لتخطر ببال الاسلاف حتى على صعيد الاباء منهم . انه عالم السؤال عن الحرية الشخصية والخيارات الانسانية والمعتقد بالتأكيد الذي يعد احد اهم ركائز هذه الحرية بل جوهرها. كيف لي ان اكون حرا" وهناك من يختار لي ديني ومذهبي ويمنعني حتى من ابداء رأي فيه او حتى محاولة مناقشته لان ذلك من المحرمات المطلقة.
والاصعب من هذا وذاك ان فئة وجدت في الهيمنة المطلقة للاكثرية على مقدرات الحياة وكل ما يمت لخيرات البلد أمرا" لا يمكن السكوت عليه. لم يعد المسيحيون يقبلون بان يكونوا من اهل الكتاب ويدفعون الجزية وهم صاغرون وان تغيرت اوجه واشكال دفع الجزية فمن مبالغ مالية محددة في السابق الى التهميش والاستبعاد عن اتخاذ القرارات في الزمن الحالي والى ما يشابه من امور تمنع المساواة بين افراد المجتمع الواحد ، وهم يرون ان المجتمعات الحديثة التي ذهبوا اليها وتخرجوا من جامعاتها تعيش في مجتمع مدني متقدم تتساوى به الحقوق والواجبات وكل فرد يقيم بمقدار تأديته لواجباته وانضباطه وخدمته للمجتمع ، وتتوفر فرص التعليم والنجاح والتقدم بالتساوي على حساب الكفاءة والموهبة والمثابرة.
هنا بدأت التساؤلات ، خصوصا" وان هناك حركات اسلامية ظهرت على المسرح السياسي العربي بالتحديد والمسلم بشكل وباخر كما هو الحال في تركيا مثلا" هولاء صاروا ينادون بضروة تسلمهم السلطة واعادة الاوضاع الى سالف العصر والاوان وتطبيق الشريعة. مما يعنى المزيد من التضيق والعبودية لغير المسلمين كما صرحوا بذلك باكثر من مرة.

لقد ادرك المسيحيون المتمردين على الواقع ان بقائهم على الحال الذي هم عليه والتلويح بمطالبهم امر ميئوس منه،و لا يمكنه ابداّّ ان يحقق اي نتائج مرجوة ، فقرروا الحرب التي هي اشد تأثيرا" وابعد عمقا" وافضل نتيجة مع المسلمين.
بعضهم اتخذ من العالم المتقدم مركز انطلاق له والاخر ظل في مكانه يدعم ويحاول ويمد اواصر العلاقة بين من بالداخل مع من بالخارج
وكان الخصم هذه المرة الاسلام بنفسة . لا الطوائف ولا الاشخاص ولا المنظمات الدينية ولا القنوات .....لا لا ليس كل هذا وذاك بل الدين الاسلامي نفسه في الصميم .
من منا لا يعرف الكاتب الانكليزي الهندي الاصل سلمان رشدي ولم يقرأ روايته الشهيرة ايات شيطانية التي تحدثت بتلميح عن نبي الاسلام لقد اهدر دمه وصار مطاردا" لا بل ان الدول صارت تخاف على مصالحها . فلقد كلف استضافته من قبل اكاديمية الفنون في برلين ان يتحدى الكاتب الكبير غونتر غراس قرار الحكومة ويصطحبه لالقاء كلمته لان الوضع كان حساسا" وكان مرفوضا" ومحاربا" ، والتقرب منه يعني الموافقة على ما كتب , لقد اهدر امام الثورة الاسلامية في ايران الخميني دمه لانه تعرض في روايته بالتلميح لنبي الاسلام وزوجاته في بعض الفصول بشكل صريح وان كان موضوع الرواية يحتاح الى تناول تحليلي اخر ، لكن المسلمون رافضون حتى لعرض الاسم او تداوله . وكذلك الحال بالنسبة للرسوم الكاريكاتورية.التي انجزها الرسام الدنماركي.وثورات الغضب التي عمت الشوارع والمدن الاسلامية ، وامتدت يد العقاب والاقصاء الى رجالات الفكر في العالم العربي وقتل الكثير ممن حاولوا مناقشة الدين وابداء ارائهم فيه .
هل يعقل بعد ذلك ان يتجرأ احد على النيل من الاسلام الجواب ليس عندي او عندك عزيزي القارئ بل الجواب عند الميسيحين الذين ذهبوا الى ابعد مما ذهبا اليه الكاتب والرسام بمحيطات وقارات لقد بدأت سياسة دك اسس الاسلام من الاساس عند هؤلاء ، بل انهم يتناولون بسياستهم التي لم يتم التطرق لها من قبل او مما يمكن مقارنتها باخرى ، انهم يعودون ويستشهدون بامهات كتب المسلمين ومراجعهم الثقاة . ويعلنوا عن مناهج جديدة وتحديات تضع الكثيرين موضع الارتباك والعجز في مداراتها. أيا" كانت الاسباب التي تقف خلف هذه الطائفة المسيحية سواءا" اسبابا" تبشيرية تدعو الى الخلاص كما يكرر بلا هواده اغلبهم ، ام اسباب انتقامية من القهر والتهميش الذي يحسون به . او اسباب تحريضية كما يحلو للبعض تسميته مدعين انهم جاءوا باجندة غربية لتحقيق اهداف استعمارية في النيل من الاسلام ومحاربته . ايا" كانت هذه الاسباب فانها لم تعد بالاهمية التي صارت عليها برامجهم المتعددة والكثيرة والتي تدل عن حسن صياغة واعداد محكم ، ومنهجية في الطرح والتداول ، ولاول مرة يرى المسلمون مندهشين المسيحيين وهم لا يقلون عنهم واقعية وحيوية وقدرة علىالجدل والمناقشة . وليسوا كما تظهرهم الافلام المصرية كانهم خواجات يتحدثون العربية ويتحركون بالية وبلا مشاعر وملامح واضحة.
يعرض كلا الفريقين المسلم والمسيحي في القنوات الدينية التابعة له مكاسبه ويدعي انتصاراته في هزيمة الطرف الاخر وكثرةالمتأسلمين او كثرةالمتنصرين وتتصاعد نبرة العداء ويحتدم الصراع حتى نسمع بالاحداث الدامية التي يروح ضحيتها من لاناقة له ولا جبل من مسيحي العراق ومصر والذي يكونون متنفسا" للعصبيات التي تطفو على السطح لكننا في كل هذا الموج المتلاطم من الصراعات التي لا يلوح في الافق اي اثر لنهايتها نسأل؟
هل يستطيع المسلمون حقا" ان يكسبوا كل المسيحين الى صفوفهم ويجعلونهم مسلمين
هل يستطيع المسيحيون حقا" ان يكسبوا كل المسلمين الى صفوفهم ويجعلونهم مسيحيون
ان هذان السؤالان هما ما يجب ان يسألهما كل ما يهمه مصير شعوب الاقطار العربية لانه جوهري وعلى اساسه يحدد اي نوع من المعالجات يجب اخذها بعين الاعتبار لايقاف هذا العداء المتصاعد بين المسلمين والمسيحين. قد يقول احد اني في مجتمع ذي اغلبية مسلمة ولا يهمني حال الاخرين . المجتمعات الاخرى ايضا ذات اغلبية مسيحية وقد تنعكس نتائج الحلول والتعاطي مع المشكلة عند الشعوب المسلمة مع الاقلية المسيحية على الاقليةالمسلمة في بلدها وهذا يعد ظلما" غير مقبول يقع على اناس لا ذنب لهم سوى هويتهم. ولعلمك ربما متمسكين بها اكثر من المواطنين في البلد الام لانها مرهونه بعوامل عديدة اولها الحنين والوفاء للوطن الام وكل ما يرتبط به من ذكريات.

ان عرض الموضوع هكذا ثم الذهاب لن يعدوا ان يكون موضوعا" عاديا"ّ لا معنى له ، ولهذا لم اكتب !

على المسلمين ان ينظروا بعين الواقع الى المتغيرات والعالم من حولهم. وان يتعاطوا معه وفق قوانينه الجديدة والمستحدثة على مدار الساعة. ان الذين يرهبون البسطاء ويوعدون بالويل والثبور اذا ما تخلوا عن تلك العادات او ذلك التقليد عليهم ان يفهموا بان امكانية تأثيرهم على الناس امكانية محدودة . الانسان خلق مجبولا" بالحرية والرغبة لها . والاستعداد الدائم للدفاع عنها. قد تستطيع بعض القوى لبعض الوقت تدجينه لكي يكون تحت سيطرتها لكنها لا تملك ان تبقيه لكل الوقت على ذلك خذ على سبيل المثال كيف ان طبقة المماليك ثارت على اسيادها واسست دول ، وكيف ان شعوبا" رفضت الانصياع لطغيان الدول العظمى فهذا هنيبعل يعبر البحر من قرطاجة ويسير في الصقيع وسط المجهول ليحارب جبروت الدولة الرومانية . الى اليوم تتداول الاجيال حكايته الاسطورية بمزيج من الاعجاب والانبهار. ولولا خذلان اقرب الناس اليه لغير وجه العالم.

كلنا محب للحياة ولروائع الانجازات الانسانية والتقدم الذي صنعه المعتدلون غير المتعصبين الذين تقاسم العالم انجازاتهم بمزيح من الفرح والامتنان . من الحرف على الطابعة لكوتنبرغ الى مصباح ادسن الى ما يحصل كل لحظة من تطور وانجاز في كل مناح الحياة . ان اللغة التي يستعملها المتشنجون لم تعد ممكنة التداول والسماع بيننا .
في حواراتها المتميزة استضافت لميس الحديدي على القناةالفضائية المصرية نخبة من المثقفين وصناع القرار من المسلمين والمسيحين واحتدم النقاش بينهم كيف يمكن احتواء ازمة قتل وترهيب المسيحين في مصر. هناك احداث دامية تقع كل يوم تعدد الأراء وكثرت الصرخات ، ولكن يبدو ان مصر دولة تتجهه لكي يحكمها المتشددون الاسلاميون لان صناع القرار يهمهم الاغلبية ويعنون بمعالجة مشاكلهم اما الاقلية فعليها ان تنتظر او تستسلم للامر الواقع. وهذا ما يقوض حقيقة كون مصر اكبر دولة عربية من كونها دولة مجتمع مدني.
هناك من يغامر وانت وانا ندفع الثمن في كل مكان من حريتنا من انسانيتنا من اعصابنا في الاسواق والمحلات على مكاتبنا ونحن عراة امام اجهزة الرقابة وهي تجمع ملفاتها عنا لاننا مشبوهون. في المطارات وهي توقفنا في طوابير كالخراف تسوقك الى جهاز فحص يحطم جهاز مناعتك على التحمل قبل ان تظهر مضاره على باقي جسمك فقط لان مغامر غر خرج لينسف ذاكرة العالم بعام سعيد ، ويريد ان يدون اسمه الملوث بين اسماء القتلة والسفاحين.
تخيل اننا كنا على ظهر تلك الطائرة ، والى جانبنا عالم مختبره مليء بالاحلام والمشاريع. وامراة تحمل صييا"ّ او صبية اراد الله ان يخلفهما في الارض ليعمراها. وطبيب وصيدلي واب كد وكدح ايام السنة كلها حتى حان موعد اجازته ليكحل عينيه برؤية افراد اسرته. لماذا يقتلون جميعا" بلا سبب . ان سكوتنا وادارة الظهر لكل ما يدور حولنا . ترك مشاعرنا وانفعالاتنا التي لا تستند على خلفية اجتهدت وتعبت في تعقب الاسباب والبحث عن عللها يعطي مبررا" لهولاء وغيرهم بان يبقوا مهيمينين على مقدرات العالم.واما نحن الذين نفتخر باننا الاكثر هنا ولا يهمنا ، ولا نعالج المشاكل القريبة فليس علينا ان ننتظر ان احد سيلتفت الينا ويسالنا عن خياراتنا التي سوف تفرض علينا ولا يكون لأحد منا الحق في مناقشتها.
قالت لي صديقتي الجالسة بقربي وهي تتابع الوزيرة البريطانية قبل ايام تدلي بتصريحاتها من على شاشةالتلفاز فائلة: بانها ترغب بان تكون الانتخابات في السودان تتسمم بالشفافية والصدق و......سألتني لماذا لم اسمع يوما" ما احد من جانبنا يبدي رأيه بانتخاباتهم كل اولئك الذين يتحدثون حولنا ويقررون لنا مصائرنا . قلت لاننا مستعمرون ياصديقتي ، وعادة الاسياد هم من يقرروا . الا يستحق الامر بعد ذلك ان نسأل متى سنكون حقا" اسياد ونقرر ولا نتباهى باننا الابرع في الصراعات والنزاعات واستدعاء الاخرين لادارة امورنا.
مجرد سؤال سألته ومشيت على رأي المطرب الكبير الراحل رياض احمد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

-----
Share |
------