------------ --------
Share |

حجر الاساس مابين بناء المأذن والكنائيس

!



لم تبقى قناة اعلامية واحدة لم تتناول وباهتمام بالغ القانون السويسري الذي تم بموجبه وبعد استفتاء شعبي منع بناء المأذن في سويسرا بالمناسبة هذا قرار مختلف تماما" عن حرية بناء او افتتاح او تخصص مكان لتكون مساجد او جوامع انه امر معماري فقط. سأتجنب قدر المستطاع الخطابات النارية لرجال الدين والقنوات الدينية والقنوات التي تصنف نفسها بالمعتدلة ولكن خطابها لا يختلف عن الاخريات من القنوات الاعلامية واتناول الموضوع من وجهة نظر موضوعية بحته ومقارنة شديدة البساطة بين مواقفنا نحن العرب ومواقف الاخرين معنا . على الاقل كي لا يظل هذا العربي المتلقي يغلي بلا سبب ويحرق له كل من هب ودب دمه على الفاضي والمليان كما يقول المثل المصري.
لنأخذ اولا سويسرا كبلد ونستعرض ببساطة تركيبته السكانية نجدها تتكون من اربع مكونات رئيسية وتهيمن لغاتها كلغات رسمية وهي الالمانية والفرنسية والايطالية والروماتشية . وسويسرا حتى في داخل الاتحاد الاوربي دولة لم تتبع قوانين الاتحاد الاوربي وتنضم لما يسمى بمنطقة اليورو اي التي وحدت عملتها وجعلت اليورو عملتها الرئيسية لانها وجدت ان ذلك لا يحقق لها النتائج الايجابية كما مثيلاتها من الدول الاوربية الاخرى. ولسويسرا اشكاليات عديدة ومختلفة وقضايا لا تنتهي مع الاتحاد الاوربي والدول المجاورة بسبب بنوكها ومصارفها والشفافية التي تطالبها بها الدول للمحافظة على اقتصادها ، ومنع المتلاعبين من استغلال السرية التي يتمتعون فيها في سويسرا من الافلات من طائلة القانون والمستحقات الضريبية. ورغم كل هذا وذاك فان هناك التفهم الكبير من تلك الدول رغم غضبها وغصتها لموقف الحكومة السويسرية وكيفية ادارة للامور ،ولم تقرأ اي كاتب او محلل يتناول فيه سويسرا بالويل والثبور والشتم والتقريع لمواقفها رغم ما يشكل موقفها من تهديدات حقيقية لاقتصاديات تلك الدول التي تعد عصب حياتها وشريانها النابض.
لكن على الضفة الاخرى واعني عندنا في البلاد العربية فان اي موقف يعني العداء والكراهية ، النظرة الدونية للاقلية وعدم تطبيق اسس وقوانيين المساواة (غير المعمول بها اساسا" في بلداننا العربية، لا بل غير المعترف بها عندنا) فقط اذا ما تم اجراء احترام ارادة شعب ذلك البلد وخياراته . ومثل هذه الاستفتاءات غير معروفة في البلاد العربية لذا فان المحللين واجهزة الاعلام تتناول الموضوع وكانه قرار دولة فحسب وتهمل فقرة استفتاء شعبي. فلماذا يغضب مثل هذا القرار كتابنا واعلامنا الى هذا الحد.
لنتدرج بالموضوع خطوة خطوة فنجد ان المد الاسلامي في اوربا حقيقي وان هناك الكثير من الجهات وعلى رأس القائمة الوهابية السعودية والثورة الايرانية في ايران تدعم وتمول الكثير من المشاريع التي تساعد على نشر الاسلام واعتناقة.وتمول بناء المساجد وتعين رجال الدين الذين يجدون بالمراكز الدينية والجوامع والمساجد والحسينيات المقامة افضل فرصة عمل في بلد يصعب الحصول فيه على وظيفة وبالسهولة وبالضمانة اللتان يحصلان عليها من وظيفتها الدينية اضافة الى المكاسب غير المحسبوبة التي تتبع مثل هذه الوظيفة فتراهم يتسارعون متفانيين في اقامة الولائم والدعوات وكسب الشباب الذي عادة ما تراه صيدا" سهلا" بسبب انفتاح المجتمعات الاوربية وعدم وجود برامج تربوية او اجتماعية جادة لاحتوائهم. واكثر الشباب المستقطبين اولئك الذين عانوا ويعانون الفشل في بعض التجارب او راحوا ضحايا ازمات اجتماعية او ادمان وماشاكل ذلك . او اولئك المتخبطين في تجارب حب فاشلة وعلاقات غير سويةحيث يستقطبهم الخطاب الديني المعد بعناية والذي يعد بالجنان والحب والتسامح وكل الاواصر الطيبة والعلاقات الحميمية. ان خوف اوربا على ارثها الحضاري لم يتأتى من العدم حيث لمست بيدها وبالجرم المشهود اولئك الذين تحولوا الى مقاتلين بين صفوف القاعدة وهددوا بنسف وتدمير الكثير من المواقع والمراكز في اوربا ، وبالتحديد ما حصل في المانيا ابان الانتخابات الاتحادية التي تجري كل اربع سنوات في الشهر قبل الاخير من عام 2009 .وكيف هدد منتسبي القاعدة من مسلمي المانيا بتفجيرات داميةاذا لم تستجب الحكومة لمطالبهم وتقوم بسحب قواتها من افغانستان.
هذه الحوادث وغيرها لا يمكن ان تمر مرور الكرام في بلدان دفعت الكثير من اجل سلامة وأمن اراضيها. بل تشكل تهديدا حقيقيا" لها ودراسة جدوى لهذه الظاهرة الخطيرة على اراضيها وتحول ابنائها الى قنابل موقوته تهدد مصيرها واستقرارها .
الاسلام في اوربا في سباق مع قرارات الدول ويثابر من اجل ان يضع له قدم ويمد بتأثيره على الحياة العامة. لذا فان الاستفتاء السويسري يؤكد مدى الوعي التام الذي اظهره السويسريون للحفاظ على هوية بلدهم ومنجزاتهم الحضارية ورفضهم للاستسلام للتحديات الخارجية .
ما اثار انتباهي هي لغة التشكي والتألم التي ابداها الكاتب سعدون يخلف من القرار السويسري المؤسف حيث اكد في مقالته المنشورة في موقع العرب اون لاين بان المسلمين الذين يبلغ تعدادهم في سويسرا حوالي 300.00الف اثبتوا بانهم مسالمين وانهم ... وراح يشيد بمواقفهم في مجتمعهم الجديد وهو امر لا اشك فيه الا انه اثار في نفسي تسائل مهم للغاية يفرضه علي المنطق والعقل وان كنت اكثر صدقا" اقول الضمير فاسال الكاتب بالمقابل ماذا عن مسيحي الشرق والكنائس في مصر على وجه التحديد التي منع بنائها منذ ما يزيد عن مائة عام بحسب المتحدث المصري في برنامج لميس الحديدي حيث يمنع بناء كنيسة في مصر الا بموجب قرار جمهوري والتعديل المؤلم الذي ناله في التسعينات ينص ان ترميم الكنيسة او احد مرافقها لا يتطلب قرار جمهوري بل قرار المحافظة او البلدية المسئولة في تلك المنطقة .تعجبت كثيرا" لسماعي لذلك ومؤكد بان الكاتب وكل القنوات اصمت اذانها عن سماع هذه القصة وهذه الحقيقة فتسائلت هذا في مصر والمسيحيون في مصر هم ليسوا وافدين انهم يسمون بالاقباط حيث منهم اشتق اسم مصر وهم قبل المسلمين في مصر وكانوا كرماء حيث اهدى ملكم نبي الاسلام جارية صارت من اقرب الجواري الى قلبه . ومع هذا يعاملون بارثهم التاريخي معاملة الوافدين ويمنعون من ممارسة حقوقهم على ارضهم وان اعدادهم في مصر حسب االتقرير الصادر من منتدى بيوللدين والحياةالعامة التابع لمركز بيو الامريكي للابحاث حيث يؤكد بان اعداد مسيحي مصر حوالي ال 4.5 مليون نسمة . وهو اكبر بكثير من عدد مسلمي سويسرا وان كنائسهم ان نظرنا بوجهة نظر عصرية تصلح بان تكون مراكز جذب واستقطاب سياحي لا مثيل له لما يتمتع به تاريخ مصر من خصوصية حتى في قصة حياة المسيح وهجرته الى اراضيها وما لذلك من اثر بليغ على اتباع المسيحية في العالم. فحري بالدولة المسلمة في مصر العناية بالكنائس كأرث تاريخي قبل ان يكون مكسب لتابعيها وهي ان فعلت فذلك ليس بالعيب والخطأ. مع كل هذا فان التضيق على المسيحين والالتفات لمطالبهم ليس مما يعني الكتاب وقنوات الاعلام العربية لانها خارج نطاق اهتماماتها . وان كنا نعتقد بان الاخر لايسمع ولا يرى نكون على خطا. الاخرون مهتمون ومتابعون لكل ما يدور ويقيموا مصداقيتنا وتحضرنا مع مقدار ما نتعاطاه بيننا من كل الامور الحياتية والدينية . ويحترمنا بقدر احترام بعضنا البعض وبقدر احترام الدولة واجهزتها لمواطنيها ، فكم من الحوادث تم اهمال التعامل معها في الغرب لان العربي اعتاد على هذا الاسلوب من المعاملة .

لكي تنتزع حق مشروعيتك في وضع حجر الاساس لمئذنة في اي مكان في العالم عليك ان تحترم خيار الاخر الذي بجوارك لا ان تحرم عليه كل شيء في مكان قوتك وبأسك وسيادتك ثم تنتفض كالنمر الجريح اذا ما عملت بالمثل خارج حدود قوتك .. العين بالعين والسن بالسن قانون سنناه نحن العرب المسلمون فلماذا نعترض ونشجب عندما نعامل به .

شذى احمد
shathaah@maktoob.com
الحوار المتمدن - العدد: 2892 - 2010 / 1 / 18
المحور: العلمانية , الدين , الاسلام السياسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

-----
Share |
------