------------ --------
Share |

اشتريلها عباية





ها هي نتائج الانتخابات تتكشف وتعلن نتائجها ،واول ما يلاحظه المشاهد ان الارقام انخفضت ولم تعد الارقام 99.9% كما في السابق . وهذا يعني ان العراق خرج من فروع الاختصاصات النادرة لاحادية الحكم والتي لا تقبل الا الارقام العالية , وانضم لمجموعة الدول العديدة الالوان والفنون بدءا" من لبنان وانتهاءا" باليابان مرورا" بدول اوربا وديرة العم سام.

ورغم ذلك ،ووسط هذه النتائج الملونة التي دائما" ما يدفع ثمنها المواطن البريء عندما تغتاله الحسابات الخاصة للجماعات الطامعة فيه وفي مستقبل بلاده ، الا انه على الرغم من ذلك يتقدم ويلقي بحجارة التغيير في بركة الأسن من زمن الشمولية وويلاته.

مع هذا يبقى السؤال الذي يراود كل الحفاة واصحاب الاحذية الانيقة هل سيحقق القادمون الجدد ما مات من اجله الكثير وهل سيوفون بتعهداتهم كما صدحت به حملاتهم الانتخابية وخلبت لب ناخبيهم ، فلم ترهبهم التفجيرات وخرجوا لانتخابهم.

كم سمعنا من شكاوي وتنهدات وحسرات وقصص محزنة يستنكر فيها قائليها على المنتخبين تخليهم عنهم بعد فوزهم في الانتخابات السابقة، الخدمات المعدمة والمعاناة وبرك المياه الاسنة امام البيوت ، والعطالة عن العمل ، وانعدام المستشفيات ووجود العيادات في مناطقهم ، والخوف والقتل والترويع . والماء والكهرباء ، والفقر والعدم.

هل سيفي المنتخبون الجدد بالوعود هل سيعتنون بحرارة الصيف ويهبوا باحثين عن حلول حقيقية لمأساة الناخبين ام ان جدران القصر الجمهوري وقاعات البرلمان المرمرية الباردة ستخدر مشاعرهم ، وتنسيهم من اخذهم الى تلك الاماكن.

القصر الجمهوري ان لم تخني ذاكرتي معناه قصر الشعب او الجماهير .. ذلك المكان الذي لم يتسنى لأحد من العراقيين الدخول اليه ايام الانتخابات ذات النتائج الكاملة.. كان مجرد المرور به والاشارة اليه يعني خرقا" للدستور ،ويجب معاقبة المسيْ . وقصة الصحفي العربي الذي اراد تدليل نفسه واخذ صورة على دجلة من الجانب المطل على البيوت الرئاسية معروفة للجميع وكيف تحولت ايامه الى جحيم مستعر في العراق لم ينتهي الا بعد ان انقذه حظه ،وهرب عائدا" لبلاده. حتى الذين كانوا يذهبون للقاء سيادته كانوا يذهبون بسيارات معتمة وطرق ملتوية وقلوب ترتعد فرقا" وخوفا" وتحسبا" .. كانوا يبررون للجماهير ان بيوت الشعب يجب ان تبقى عصية على اعدائه ولا يقربها احد ، كي لا يسهل طريق الوصول اليها ، وتعرض انجازات دولتهم ـ الجماهير ـ للخطر . لكن كل المدربين والجنود الذين انتدبوا للدفاع عن حصانة قصر الجماهير ، فروا ... ولم يجد اعداء سيادته صعوبة في الوصول اليه في مكان اقامته الاخير . أولئك الذين جاءوا من بلد يحكمهم فيه رئيس له في البيت الذي يحكم به غرفة مكتب وغرف اخرى للسياحة ،وللعشاق اذا ما رغبوا باخذ صور تذكارية هناك .

هل سيتذكر المنتخبون الجدد جيش الارامل والايتام .. والمشردين الذين يتسكعون في عواصم عربية بحثا" عن مصدر رزق وظروف حياة افضل... هل ستكون من اولوياتهم اعادة ثقة الانسان بنفسه ، لكي يتفاهم معهم بلغة حوار مشتركة.

هل ستضمد جراح النساء والرجال الذين زجوا في السجون بتهم ودون تهم. هل ستشكل لجان متخصصة لإعادة تأهيلهم للحياة.

هل سيسود الاعلام الخاص والعام روح التسامح والقبول بالاخر... هل سيخصصون من وقتهم وجهدهم الوقت الكافي للعودة الى المراجع الفكرية ،والسياسية المهمة التي كانت مصابيح منيرة في سماء شعوبها وقادتها نحو التقدم والرقي للاستفادة من تجاربها وخبراتها ومقارنة ما يناسب منه وواقع المجتمع العراقي.
هل سيقتطع المنتخبون الجدد من اوقات المجاملة ، وعبارات التحبب والترضية لصالح الصارم والقاطع والفعلي في العمل من اجل الناخبين.

هل ستتحسن ظروف حياة الرجل والمرأة على السواء ويذهبان الى العمل بلا حاجة الى تزكية الا من انجازاتهم وكفاءاتهم في وظائفهم.

في اقصى الجنوب حيث لا احد يذهب او ربما نسوا ان يذهبوا حملت قناة فضائية مشاغبة كاميرتها .. هناك في اقصى الاهوار قريبا" من حقل فكة المتنازع عليه والتقت بساكنيه . هولاء المنسيين الا من زيارات خاطفة وتذكارية . او لتنفيذ خطة لتأمين طرق التماس مع الاخر !

هناك التقت تلك الكاميرا بالنسوة والرجال عالم من الحلم يعوم على بقايا قصب الحضارة الاولى ،وقصص عشق سطورها من رز ،وبعض الخضرة .. وجواميس بقرون صلدة تنطح الزمن وتأبى ان تنهزم . هناك في تلك المناطق اخرج المذيع المقتدر سيدة الهور الاولى من كوخها.. سليلة الحضارة الانسانية الخالدة ... صاحبة القصائد والاحجيات .. كانت عيناها قد ابيضتا . وعبائتها تلك التي ترتديها ، وهي ترتديها لكي تقي نفسها بها من تقلبات الجو ثم تشدها على وسطها وهي تحصد لجواميسها القصب الطري . وتفرشها ساعات الظهيرة بين خدود الهور لتتقاسم مع جبيبها لقم الجوعة (يسمي اهل الهور الوجبة الخفيفة التي يتناولها الخارجين للحصاد بالجوعة ... وهي عبارة عن خبز وبصل وربما حبة طماطم او اي خضرة متوفرة).. هذه العباءة التي تبلى ككل شيء في العالم ، تستبدل بجديدة عند توفر ثمنها . لكنها كبرت سيدة الاهوار ، وانزوت في كوخها ولم تعد تملك شيئا" من حطام الدنيا تعيل به نفسها .. الحروب والمعارك تحتاج لرجال تستلهم من بيوتهم وتطالبهم بدفع ضريبة المواطنة والدفاع عن الوطن الذي لم يكن لهم فيه شيء ولا حق ,وحتى بعد موتهم لا يلتفت للمواطنين الدافعين الضرائب اولئك للعناية بنسائهم وعوائلهم. هم وقود حرب ليس الا . قالت بان اولادها رحلوا ،وزوجها مات ، وبقيت وحيدة مثل اثار مجدها في طول العراق وعرضه لا وقت لأحد للعناية به . وعباءتها تمزقت وكلح لونها .. هل سيلتفت المنتخبون الجدد ويشترون لها عباءة جديدة ، ويفتحون في قريتها مستوصفا" ليطببها ، هي وبناتها وحفيداتها .

ان كنتم شرعيون في اعتلاكم سدة الحكم كما تؤمنون ، زوروها واشتروا لها عباءة ... انها امكم . واهم خيرات الارض تتدفق من بين قدميها نفطا" لكنه للاسف ليس لها.

من جديد اشتروا لها عباءة !

د . شـــذى احمد


شذى احمد
shathaah@maktoob.com
الحوار المتمدن - العدد: 2939 - 2010 / 3 / 9
المحور: ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

-----
Share |
------