صور من المعركة الخط الساخن
صور من المعركة
الخط الساخن
(( عندما كنا مواطنين بدرجة مرعوب كنا نعيش زمن الحرب. يعرضون لنا على شاشات التلفاز صورا لقتلى .كانت الصور صامتة . لا تقل لنا ولا نقل عنها شيئا كنا نحدق بها وهي تحمل عنوان صور من المعركة .. كانت معركة طويلة واحدة تدور في جبهات بعيدة.تحرقنا بشظاياها، وتخطف خيرة رجالنا... مضى زمانها وانتهت . كبرنا صرنا بدرجة مذهول ولم يعد التلفاز يعرض علينا صورا صامتة لقتلى فحسب بل صارت تصاحبها كل الوسائل المساعدة من صراخ وعويل وتصريحات تعددت جبهاتها لكن غايتها ظلت واحدة تريد حياتنا. لتلقي بجثث أيامنا على قارعة العبث كل يوم ))
حطت حمم الموت على العاصمة الجائعة .. بدأت جراح المدن تنزف. قتل الكثير من الرجال في ساحات الدفاع عن شرف وطن مهما كان الذي يحكمه . لكن صدورهم لم تكن كافية كي ترد الطوفان الذي ساهم أتباع المحتل في إغراق البلاد به. في بيوتهن بقين الكثيرات يغلف حياتهن الغد المجهول الملامح.
في مدينة أوربية
رغم ابتعادها عن الوطن مجبرة بسبب خياراتها الفكرية لكن قلبها خبر محنته وعرف علته. لا تضيع وقتها بتقليب صفحات الموضة ، ولا التجول في عيادات التجميل لحشو الشفاه والصدر والأرداف بما يؤهلها لحمل لقب مثيرة.
همها من نوع أخر.. تراها متوثبة . مشحونة. مدمنة على خطوطها الساخنة تبحث مع صويحباتها المهمومات بالشأن النسوي عن حلول لمشاكل المرأة في كل البلاد العربية ومنها العراق.
العراق... في أي مكان تحت الاحتلال
أخرجوها عند مغيب الشمس ، تطلعت بها العيون واقتيدت حيث أريد لها صيد سهل ، مجاني ، بعدما أحالها دمار البلد إلى ملكية مشاعة بحجة الأمن والحفاظ عليه، ومتابعة المارقين عن القانون وملاحقتهم. عاشت عذابات الاغتصاب والامتهان الجسدي بحجة انتزاع الاعترافات عن أماكن اختفاء رجالها!. قصصا من السجون مكدسة على رفوف الزمن خطت بمداد أسود لضمائر استمرئت الجريمة وأمنت عقابها.
من دولة أوربية
تكتب رسائلها التفصيلية للمنظمات الإنسانية ، تفتح بلا هوادة خطوط الاتصالات معها و مع كل جهة يمكنها التحرك للمساعدة وفضح ما يجري في قنوات الأعلام المختلفة ،اضافة لمنظمات المجتمع المدني والدوائر الحكومية لكي تعي بان ما يحصل ليس بخافي عن العيون. عل بعضها يستجيب ، ولتوثق بالتالي مجمل تلك الحقائق، فالتاريخ لا يهمل ولا يسقطها من حساباته مهما طال الزمن وظن مرتكبوها بان ذاكرته عتقت.
في مكان ما من العراق المحتل
تتضاءل بعينها الرغبة بالحياة ، تتطلع في الوجوه بلا اكتراث طالت مدة سجنها. وخلف القضبان عاشت كما عشن عشرات العراقيات أوقاتا عصيبة ...تعرضن لما يندي له جبين الزمن عند ذكره. كانت تصفيات حساب في بعضها مع مرتكبي مثل هذه الأعمال في سجون النظام السابق، ونهم وحوش كاسرة وعصابات ملكت السلطة بزمن رديء لبعضها الأخر. أم أمراض وأحقاد دفينة لبعض لم يجد بدأ من إطلاق العنان لها لتعيث فسادا.
أضربت عن الطعام . ذبل عودها. شحب لونها وكثرت إغماءاتها. لم تعد تنطق بكلمة رغم ما تعانيه من الضرب والتعذيب، فقرروا إخلاء سبيلها بعدما تأكدوا من قرب اجلها.
خطت إلى داخل البيت بخطوات مترددة ، في غرفة الجلوس رأت أمها وقد شاخت . استقبلتها بعيني منكسرة. ساعات صمت وقف عدها عندما أضرمت بنفسها النار بصوت مكتوم ردت على عذابات الحريق المستعر بكل جسدها، وقبل أن تودع العالم لمحت أمها العجوز وهي تزحف نحوها بعدما شلتها نكباتها تنوح بلوعة توجع القلب.
في مدينة أوربية
علينا إيجاد طرق تستجيب بها الحكومات المحلية والمركزية لطلباتنا ، يجب حماية النساء من العنف ، وإبعادهن عن ويلات الحرب ونتائجها الكارثية..راحت تخاطب نظيرتها عبر الخطوط الساخنة التي ابتكرتها مع غيرها من النسوة لملاحقة ما يحصل من دمار في العراق. والمساهمة في إنقاذ ما يمكن إنقاذه. والحد من الكوارث التي تصيب المرأة وتهدد حياتها وآسرتها. تقلب أوراق الإحصائيات التي أعلنتها بعض مؤسسات المجتمع المدني ، تؤكد ازدياد النساء اللواتي تعرضن للضرب والسجن والاغتصاب والاعتداءات الجسدية والقتل. وراحت تحث محدثتها بالقول: علينا تفعيل وسائل جديدة لمواجهة مثل هذه الانتهاكات.
العراق في أحدى مدنه
فقد وظيفته. لم يستوفي الشروط اللازمة للحصول على وظيفة في عراق اليوم. التقارير المدسوسة والوشاية المنقولة عنه تؤكد: بأنه رجل الحكم السابق (البائد) . لم يعد باستطاعته تغطية نفقات الأسرة . صار لزاما عليه البحث عن عمل لكن البطالة مستفحلة. والفساد ينخر في أركان الدولة التي بليت بحكومات لا تشبع من السرقة والنهب وهدر الثروات. لم يجد غيرها متنفسا . صار يضربها ويمتهنها بوحشية هربا من عجزه والضغوط التي تكبله.
بين جوع صغارها وقسوته وتعذيبه تضرم بنفسها النار ... تتعالى صرخات الصغار بينما انزوت في أقصى الزاوية مخافة أن تلوحهم بعض السنة اللهب التي راحت تلتهمها بشهية.
من احد مدن أوربا
تحزم حقيبتها ، تأخذ معها ذخيرة حية من قوة الأعصاب والجرأة لاحتمال مواجهة كل شيء بما فيه الموت... تقرر السفر إلى العراق . تستمع إلى النسوة ، تسجل معاناتهن من أفواههن. علها تستطيع بهذه التقارير إيقاظ الضمير الإنساني ،وردع ذلك الذي يغفو في أروقة المنطقة الخضراء أو أي تسميات أخرى في البلاد والعالم.
العراق في العاصمة
شملتها لعنة التهجير مع عائلتها. وصلتهم ورقة التهديد التي يستمتع المجرمون بدسها تحت أبواب البيوت ليجبروا السكان على مغادرة مناطقهم السكنية. في العام يقولون أنها متبادلة بين السنة والشيعة أي يقوم هؤلاء بطرد هؤلاء من مناطقهم . لكن الحقيقة تقول أنها اكبر عملية تطهير عرقي في العراق خلفت في أثرها ما يقارب المليوني مهجر داخل العراق وستة ملايين يهيمون على وجوههم أم ينزون في بقاع العالم بحثا عن غد يأتي ببصيص أمل يعيدهم لوطنهم.
حددوا برسالتهم المهلة الممنوحة للرحيل خرجت العائلة مفزوعة لا قانون يحميها ولا سلطة تردع الجناة. تركت مدرستها كما فعل أخوتها الصغار. شهور ظلت تعاني الويلات كي تلحق بأحد المدارس لإكمال دراستها دون جدوى. أوراقها غير كاملة . أبوها الذي حاول استحصال وثيقة من مدرستها السابقة تلقى تهديدا بالقتل إذا ما اقترب من المنطقة . أغلقت بوجهها كل الأبواب توسلت المديرية التي حلت بها بمفاتحة مديريتها السابقة. فجاء الجواب سلبا. حاولت مع المدرسة فتعذرت بكثرة مشاغلها وهي من مسؤولية الطلبة بنقل وثائقهم لا شان للمدرسة لتقوم بمثل هذه الخدمة.
مرت الأسابيع وهاهي الامتحانات الثانوية في صباح الأول جمعت كتبها وصعدت إلى سطح الدار .أضرمت بنفسها النار وهي تحتضن كتبها التي منعت من إدلاء شهادتها بمدى حبها وتفوقها في معرفة محتوياتها.ومن تحقيق حلمها بالجلوس على مقاعد الجامعة.
العراق
تدور بلا كلل تجمع الاستبيانات . تسأل . تملأ الصفحات . تجمع الحقائق تتجلد وتظهر الصلابة في متابعة المشوار الملغوم بالمآسي حتى يتراخى القلب فيملأه الحزن واللوعة على أبواب المسئولين أقفال محكمة يصعب اقتحامها . كلماتها في أذانهم بطر وليس من أساسيات برامجهم السياسية.تطرق ما قويت يداها على الطرق. ثم تعود لتحزم حقيبتها التي غلفها رماد النساء اللواتي اشتعلن بلهيب الاحتلال و آثاره.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.