------------ --------
Share |

صور من المعركة




أين رجالهن؟

(( عندما كنا مواطنين على درجة مرعوب كنا نعيش زمن الحرب. يعرضون لنا على شاشات التلفاز صورا لقتلى .كانت الصور صامتة . لا تقل لنا ولا نقل عنها شيئا كنا نحدق بها وهي تحمل عنوان صور من المعركة .. كانت معركة طويلة واحدة تدور في جبهات بعيدة.تحرقنا بشظاياها، وتخطف خيرة رجالنا... مضى زمانها وانتهت . كبرنا صرنا على درجة مذهول ولم يعد التلفاز يعرض علينا صورا صامتة لقتلى فحسب بل صارت تصاحبها كل الوسائل المساعدة من صراخ وعويل وتصريحات تعددت جبهاتها لكن غايتها ظلت واحدة تريد حياتنا. لتلقي بجثث أيامنا على قارعة العبث كل يوم ))


أتين مثل العشرات من النسوة من مكان ما من بغداد
ربما في الكرخ أو في الرصافة لتشكل صورا لحال عاصمة غادرتها البهجة والأمان منذ زمن بعيد، وعلت فيها أصوات الأشباح ورسل الموت

كل الصور التي تعرضها الشاشات تتقاسمها ملامح مشتركة. الجزع .. الحزن .. رغبة جامحة للحياة .

في ساحة التحرير

الصورة الأولى .. عجوز منهكة ،تسمرت نظراتها على محدثها تماما مثلما عباءتها على رأسها تسرد بصوت جفت مرارته
كان لي ثلاثة أولاد وراحت تعد على أصابعها كمن يعد أشجار حديقته التي اقتلعت غدرا..واحد قتله مغاوير الداخلية في ساحة النسور. .. وتابعت تعدد قتلاها ، الصورة طغى عليها وجهها رغم ما يحيط به من عشرات المتظاهرين. تتساءل أين دموعها ربما شربتها النكبات تباعا وشحت مثل فرصها بالحياة. ليس لها في هذا العالم سوى هذه الشكوى التي تبذر بها السخط والحزن والتحدي بنفوس الباقين من هذا البلد الذي ينحر كل يوم كي يبقى أما هي فلا معين ولا سلوى لها ولا غد سوى كلمات تتقاسمها مع عجوزها الثمانيني كما قالت

يتراءى لك شبح في سوداوية المشهد . يصرخ ويلتهم سكينتك وخدرك .. احنه أخذناها وفلا ننطيها

الصورة الثانية
إن صعب عليك تقدير عمرها فلن يصعب عليك الأسى لحالها ولبساطتها. تحمل صورة ابنها وتصيح كأن عدسة الكاميرا باب سماء فتح لها .. أريد ابني رأيته على شاشة التلفاز عندما عرضوا صورا للسجون السرية. قولوا للمالكي أريد ابني أخذوه مني ليس لي سواه يكد ويكدح على تسعة أفراد . ليس لنا معين من بعده أريده من المالكي امشي عليه العباس .. امشي عليه الله. أريد ابني واختنقت بالحسرة والدموع وغرقت منها الكلمات.. لكن الأشباح لم تختفي من خلفية المشهد الكئيب ظلت تلاحقه بينما راح صراخها يزداد حدة
احنه أخذناها وفلا ننطيها


الصورة الثالثة.. سيدة في أواخر الثلاثينات تمتد قامتها بشموخ لا يعرف سره إلا الأرض التي جبلتها. صاحت متهكمة : المالكي لا يعرف بالسجون السرية .. يعرف فقط الأشراف عليها.. ارتجفت الأرض حتى لتظن للحظة بان الأشباح انهزمت لكنها ظلت تصيح وبإصرار مخيف.. احنه أخذناها وفلا ننطيها.
تعبت العين .. طأطأت تريد البحث عن مخرج من الجو المأساوي القاهر .ومشاهد الفواجع الذي لا تنتهي حلقات مسلسله. لكن البال ظل مشغولا بالأشباح والصارخين على عرض شاشات الأرض..
احنه أخذناها وفلا ننطيها..

ترى ممن أخذوها ولمن لا يريدون إعطائها. سؤال قد يلحق بسؤال الهامة المديدة لعراقية تهكمت سائلة عن السجون السرية والعلنية أكثر منها بكثير.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

-----
Share |
------