لماذا نعشق الطغاة
كلما تعرض طاغية بمقايسنا الحالية لنوبة ثم نكسة ثم إزاحة تفتقت قرائحنا على قول الكثير بحقه. معززين إجاباتنا بالكثير من الأدلة المادية والمعنوية. ملتفتين إلى كتبنا الخاصة، وذاكرتنا التي تجود حينا وتضني حينا أخر لكي نستل منها ما يفي بالغرض.
لكن هل التفتم للطغاة الذين تحكموا في آليات حياتنا. وتقاسموا بنسب متفاوتة تشكيل شخصياتنا. هناك طغاة فكر وطغاة أدب وطغاة تاريخ ..كتب منحوتة لم يجرؤ أكثر مغاويرنا إقداما على حتى التفكير به. وطغاة اجتماع . طغاة عمارة . طغاة طعام . طغاة ملابس .. هل تستغرب الملابس عناوين الكثير من العقائد والشرائع التي سوقت لنا على انها سماوية. طغاة فلسفة. طغاة اقتصاد وقوانينه وقواعده وأسسه. طغاة ثروات. وطغاة و طغاة ومنهم الطغاة المساكين الذين يجلدون لوحدهم طغاة الحكم.
في التاريخ القديم لقب الاسكندر بالكبير ذلك الغازي القاتل المدمر الذي قضى سنوات حكمه العشرين قاتلا سفاكا للدماء سفاحا. لم يبق مثلب أو نقيصة إلا واتاها ، ولم يدخر متعة جنسية او حسية إلا وكانت طوع بنانه. لخشيته من المصير الأسود والغدر الذي انتهى إليه سلفه ظل يغزو بلد ويدمر أخر ويترك طاغية على هذا الشعب او ذاك. من قصصه العديدة أنهم قدموا له عقدة لحلها فما كان منه وهذا ينطبق تماما مع شخصيته السطحية النافذة الصبر . المتعطشة للبطش والقتل والتنكيل وسفك الدماء إلا أن مسك سيفه وقطعها اكرر لم يحلها الاسكندر المقدوني الذي ما زال خيرة الأدباء والمفكرين والمثقفين يطلقون عليهم ـ الأكبر ـ يا للسخرية اكبر على ماذا ؟ على طيشه وعطشه للقتل والتنكيل . على سخافة عقله وعجزه الفكري . على ما سببه من دمار وقتل للبلدان التي وطأتها جيوشه ، وصار عمله السخيف العاجز محط تندر ومثل يضرب للشجاعة والإقدام وندعي بأننا ضد الطغاة.
ينسب لهذا الغازي الطاغية قصة ذات مغزى قد تكون صحيحة مثلما عبئت كتب التاريخ بعشرات الملايين من القصص المنمقة عن طغاة منتقين باقتدار عال ليفوا بأغراض متعددة تتفق وحاجة كل طاغية رضيع. المهم نتابع روي عنه انه سؤل هو في بعض المصادر او أمه في مصادر اخرى كيف تسنى له تحقيق كل هذا المجد فجاء الجواب : قليل من الذكاء قليل من العمل وكثير كثير من الحظ.
إذن الحظ .. وعندما يولي الحظ مدبراً عن أي طاغية ـ خلف هذا الطاغية العاتي ـ فانه سيرمى ويسحق بلا رحمة تلك الكلمة التي ما كان لها في قاموس صعوده أي معنى وظل خاليا منها وصعب في نكوصه إضافتها لخلو صفحاته من فراغ مناسب.
هل فكر احد ما بالطغاة الآخرين . هم بعدد الكتب التي ترزح على صدورنا وتعيق علينا التنفس والتفكير بالنهوض لثقلها .
طغاة شكلوا ذائقتنا الفكرية والأدبية وصاروا يلكزون خياراتنا فيها بلا حياء. كم عدد الذين تغنوا بديك الجن وقصيدة العصماء الفاضحة المخزية التي تغنى بها بذبحه جاريته الأثيرة لغيرته من نظر الغلام إليها.تقول أبياتها التي قد يحفظها الكثير مثلي
يا طلعة طلع الحمام عليها وجنى لها ثمر الردى بيديهــــــــــا
رويت من دمها الثرى ولطالما روى الهوى شفتي من شفتيهــــا
قد بات سيفي في مجال وشاحها ومدامعي تجري على خديها
فوحق نعليها وما وطئ الحصى شيء اعز على من نعليهــــــــــا
ما كان قتليها لأني لم أكن ابكي إذا سقط الذباب عليهــــــــــا
لكن ظننت على العيون بحسنها وأنفت من نظر الحسود إليهــــــا
هل تذكر المستمتع بها والمتغني بأبياتها ضحالة نفسية الطاغية الذي كتبها. وبؤسه وشقائه. هذا القانون الجائر الذي منحه حق قتلها لا بل والتغني بجريمته. وكم برقت عيني أديب وشاعر وهو يرددها كان أنغام حالمة أم قصيدة لجميل في حب بثينة.
شايف البحر شو كبير .. كبر البحر هناك طغاة في حياتنا مع خلايانا المتجددة والمتبلدة إلا إننا لا نعقد العزم على منازلة إلا المكاريد منهم . من أولئك الذين صنعتهم أعمالنا.
يقول الالمان : نحن انجزنا هتلر.. ولكم اعتبار الكلمة صنعنا هتلر.... لما يقولون ذلك لأنه جمع أحلامهم المشروعة وغير المشروعة .. العادلة والظالمة .. وصنع منها بارود احرق به الأخضر واليابس وقادهم للهزيمة . هم من قدموا على طبق من ذهب رأس الديمقراطية والتعددية واختاروه زعيما أوحد. في الأفق الضيق ، والعصبية القومية. والمصالح الشخصية والرغبة في الاستعلاء وتلميع ال الأنا التي لا ترحم صنعوا هتلر... كل الطغاة بالعالم يصنعون بهذه الطريقة او بطرق مشابهة لها .. غير ان المضحك أنهم وحدهم من يتحمل النتيجة .
لما لا يهتم احدنا بهذه الحقائق ويفكر بها يتأملها على الأقل .. لأننا ببساطة محكومين بمنظومة معقدة من الطغاة الذين يجبروننا على النظر بعيدا عن الحقيقة وتمويهها.
كيف تؤمن بحق الأخر وأنت متعصب لعشيرتك وقبيلتك ولا تملك إلا التفاخر بأمجادها التي عبئت برأسك.
كيف تذهب مرتاحا للنقاش مع الأخر وأنت تعتقد بان مذهبك ومعتقدك الديني أسطوري .. مثالي.. متكامل.. غير قابل للمساس.. وان الأشخاص الذين ورد ذكرهم فيه لا غبار عليهم مقدسون مقدسون مقدسون إلى يوم الدين.
كيف تصدق بان للمرأة حق وأنت مولود على احتقارها .. يحكمك قانون امتهانها مبررا لنفسك أن هناك تساءا للمتعة وأخريات للزواج كما كان يقول صاحب إمبراطورية ال كندي لأولاده. لا بل تملك ما هو أكثر مهارة منه هناك نساء للحياة وأخريات ينحرن كالنعاج إذا ما بدر منهن أي إشارة عن رغبتهن بالعصيان
كيف تستطيعين تربية ابنة حرة وأنت لم تلدي ولم تتربي ولم تشبي ولم تتزوجي إلا بقرار اتخذ لك.
كيف تحترم قانونا وفكرا ونقاشا وقد جبلت على المواربة والتخفي واعتبارها من محاسن الأمور.
طغاتنا الحسيين يتلخصون بالتثاقل، والوهن من التفكير بكل هذا وعرضه بمرآة المشاهد لمسرحية معروضة . وقتها سيستلقي احدنا على قفاه ضحكا على أعداد الطغاة الذين يتدافعون أمامنا متباهين بحصصهم فينا
عني ابحث عن قماش أو بقايا ملابس بالية لصناعة خيمة ادهنها بشحم التبلد من الجري وراء المألوف من التفاخر بالخلف والسلف لمقاومة المطر. لاخط على قفا أوراق الدعايات الفاخرة العديمة القيمة شعاري الخاص للمرحلة المقبلة.... ساخط التالي
الكاتبة تريد إسقاط الطغاة الأحياء والأموات.
طابت أوقاتكم ونقي هواءكم من أرواحهم .. آمين
د. شـــذى
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
السيدة ليندا غابرييل تقول
ردحذفعزيزتي الدكتورة شذى ، تحية طيبة موضوعك اليوم رائع حقاً ، نعشق الطغاة لأننا لا نعرف إلا هذا الشعور ، لم نتربّ على مفهوم المساواة والحرية والعدل ، لا بد من فرد واحد يقود وتحت هذا المفهوم قامت الامبراطورية الاسلامية وما زلنا حتى اليوم ننهج نهجها ليس في السياسة فحسب بل حتى في شؤوننا الدقيقة فترين الزوج يطغى على زوجته والوالدان على أبنائهما والأخ الذكر على أخواته , نتعامل بمفهوم القوة والضعف لا بالمساواة والعدل , هذه هي ثقافتنا , فلِمَ نستغرب ؟ لقد مرّ على البلاد العربية بشكل عام فترة ازدهار في منتصف الخمسينات إلى أواخرها كان من المأمول أن تتحول إلى زخم لكن سيطرة العسكر والأفكار القومية التي روجت للقائد الواحد الأبدي قضت على كل أمل . نأمل من الانتفاضات العربية أن تأتينا بالجديد وإن كنت أستبعد ذلك . نحن على كل المستويات طغاة , والمثل يقول : لا يمكن لأحد أن يركب ظهرك إلا إذا كنت منحنياً . تعلمنا أن نحني ظهرنا على طول العصور فهل آن الأوان لنرفع رؤوسنا ؟؟
حضرة د شذى المحترمه طبتم وطابت اوقاتكم لقد اصبتم وابدعتم بكتابتكم هذه وهي اول مره بالنسبه لي اطلع على نتاجكم الادبي فتحياتي لكم ولمزيد من الاراء الرائعه والتي تسلط الضوء على قضايا وامور ومواقف وافكار لطالما فكرنا بها لكن دون صياغه مبلوره ورصينه كالتي سردتيها او عفوا ادليت بها آنفا فلمزيد من العطاء واود التواصل والتعرف عليكم اكثر ودمتم سالمين
ردحذفالعزيزة شذى
ردحذفمقالة رائعة في رحلتها لسبر غور النفس البشرية التي ينطبق عليها فعلا ما ندعي كذبا انه ينطبق على القط الذي لايحب الا خناقه
خضوعنا وعشقنا للطغاة ربما نجد تفسيره في كتاب عالم النفس الالماني الشهير اريك فروم وعنوانه الهروب من الحرية اذ يتحدث عن تعطش الانسان للعثور على رمز للسلطة والتحكم يسلم اليهما مقاليده حال وصوله الى الحرية التي كنا نتوهم انهارغبته الكبرى
الكتاب نشره فروم عام 1941 وربما كان له دور كبير في شفاء الغرب شيئا فشيئا من عشق الطغاة، لكن كم من القرون نحتاج نحن في الشرق كي نتوقف عن الهروب من حرياتنا؟
يونس حنون
كيف تستطيعين تربية ابنة حرة وأنت لم تلدي ولم تتربي ولم تشبي ولم تتزوجي إلا بقرار اتخذ لك
ردحذفجميل جداً بل وأكثر من رائع