------------ --------
Share |

صور من المعركة ـ المؤذن في فراش أمي ـ




(( عندما كنا مواطنين بدرجة مرعوب كنا نعيش زمن الحرب. يعرضون لنا على شاشات التلفاز صورا لقتلى .كانت الصور صامتة . لا تقل لنا ولا نقل عنها شيئا كنا نحدق بها وهي تحمل عنوان صور من المعركة .. كانت معركة طويلة واحدة تدور في جبهات بعيدة.تحرقنا بشظاياها، وتخطف خيرة رجالنا... مضى زمانها وانتهت . كبرنا صرنا بدرجة مذهول ولم يعد التلفاز يعرض علينا صورا صامتة لقتلى فحسب بل صارت تصاحبها كل الوسائل المساعدة من صراخ وعويل وتصريحات تعددت جبهاتها لكن غايتها ظلت واحدة تريد حياتنا. لتلقي بجثث أيامنا على قارعة العبث كل يوم )


في التاريخ كانت الأمور تنعطف دراماتيكيا في بعض الأحيان لأسباب بسيطة. كان من الممكن حلها مثلا باتصال هاتفي كما قالت لي إحدى الصديقات. أو بتسجيل فلم لكي يغني عن مجلدات تبرير.
لما أقص عليكم ذلك.لكي ابدأ بسرد قصة بطلها رجل دين فاسد ـ جنبكم الله شر الفاسدين ـ ولمن يشك بوجود رجل دين فاسد فما عليه إلا بالبحث على موقع يوتيوب وسوف يسطر لك العشرات منهم.
احدهم بطل قصتنا وهو مؤذن. حيث تبدأ القصة بولد هرول ليخبر أباه بمرارة قائلاً: أبي .. أبي لقد رأيت المؤذن في فراش أمي
لكن الأب الذي ربوه كحالنا قبل ظهور اليوتيوب على الإيمان بان كل ما يلمع ذهبا ، وكل رجال الدين أخيار ولا يمكن أن يكون احدهم فاسدا أبدا رد عليه قائلاُ: الله كريم ابني .. الله ينتقم منه.

الصورة الأولى : إحدى الفنادق الفخمة

يجلسون يحتسون المشروبات. ويتناولون الفطائر. يلتفت بعضهم بين الحين والأخر لربطة عنقه فيمد يده لإصلاحها. أو إعادتها إلى مكانها. يتحدثون عن العراق. والأحوال. ما ألت إليه الأمور.أوضاعه الاجتماعية . عدد الشركات التي راحت تعمل هناك. ولما وصل الأمر للحكام الجدد انبرى احدهم قائلا: فدوى لعينكم خلونا بعيد عن السياسة . ماذا اخذ الذين أضاعوا العمر بالسياسة. اتركوها تصفى لوحدها . لا بد وان تصفى يوم. تهز الأغلبية رأسها بالإيجاب ويتم التصويت على الموافقة بالإجماع.

مازال الصبي يعاني مرارة زيارة المؤذن لفراش أمه. ومازال الأب يواسيه بكرم الله . وانتقامه من المؤذن.

الصورة الثانية: العراقيون في الأسواق

اكتظت مدن عربية مثل عمان ودمشق. القاهرة. بيروت بأعداد غفيرة من العراقيين. سكنوا بيوتا مهدمة،وغير مؤثثة. جاعوا. حرم أطفالهم من حق الذهاب إلى المدارس الاعتيادية. بعضهم أفلس وصار يمتهن أحقر المهن .يذل نفسه من اجل قليل من المال .من يمرض من الأطفال عليه مواجهة الموت بصمت فلا يملك الوالدين تكاليف علاجه . حكام بغداد الجدد آذانهم صماء عن صراخ الأطفال وعويل الأمهات.
يلتقي احدهم ببعض أصدقائه: ما الحل
الثاني: أي حل لاحل . لا غد ولا مستقبل للعراقيين
الثالت: هل سرق العراق
الرابع: هل تعرفون الأحزاب التي تحكم
الخامس : أي أحزاب كلها فاسدة
الاول: لكن بعضها يحاول عمل شيء
الثالث: مهزلة
الاول: دعونا نتابع حزبا او جهة سياسية يمكنها عمل شيء لنا وجمع اصوات لها.
الرابع: من كل عقلك ؟.
الاول : لم لا؟
الرابع: لا شأن لنا بالسياسة . وقد لا يتركونك حيا. ويطردونك حتى من هنا.
الخامس: عمي خلينا بعيد عن السياسة.
الاول: وكيف ستنتخب ان لم تعرف الاسم المرشح.
الرابع: وهل سيتركوننا ننتخب . سرقوا المرة الماضية الصناديق ووقفوا بأبواب المراكز الانتخابية ومنعوا من لا يريدونه.
الاول: الا نغير من هذا الحال.
الرابع: عمي بأي شيء بفقرنا ،وجوعنا . بتشردنا نغير. بالأرض التي نفترشها كل ليلة.
الاول: بتشكيل مجموعات تعمل لتغيير ذلك.
الثالث: عمي من كل عقلك . السياسة لا تصاحب المشردين أمثالنا. عمي خلونا بعيد عن السياسة. ضاع كل شيء ضاع.

عاد الولد ليكرر شكواه . و أعاد عليه الأب نفس العبارة : الله كريم ابني . الله موجود. الله ينتقم منه.

الصورة الثالثة: مراكز اجتماعية

نجحوا بفخر بتأسيس مقر للجالية في إحدى الدول الأوربية. يجتمعون فيه . يقيمون الحفلات. والندوات ، المعارض. يستضيفون الشخصيات المهمة . المشهورة. تطرأ على بال احد المتحمسين فكرة إقامة حفلة خطابية للتعريف بما يجري بالعراق، وفضح التجاوزات والمفاسد هناك. يقدم اقتراحه على رئيس المقر يتردد الأخير في الموافقة يتحجج بمناقشة الطلب مع أعضاء الهيئة الإدارية. ثم ينتهي الأمر برفضه. هناك إشكالات عديدة. هناك من يسافر إلى العراق، ويخشى تعرضه للقتل والتصفية. هناك الأقارب والأصدقاء. علاوة على ذلك فالأمور ليست واضحة مع من الحق نحن لا نعيش هناك لنعرف بالضبط ما يحصل . الإعلام يضخم الصورة. ويرتزق من وراء ذلك.

رجع الولد يتطاير الشرر من عينيه إلى أبيه. يهم بقول شيء لكنه يعدل عنه ويدير ظهره راجعا من حيث أتى. في رأسه تتكرر الصور. ويسمع نفسه يصرخ بلا انقطاع.. المؤذن في فراش أمي.


الصورة الرابعة:القَبول

منذ تعارفن على بعضهن البعض في إحدى مدارس اللغة وهن يتبادلن الزيارات بانتظام. جئن من خلفيات متعددة. ومستويات ثقافية واجتماعية متباينة. يثرثرن بمواضيع تتعلق بالمأكل والمشرب. ومشاكل الأطفال. وزياراتهن وطلبات الإدارة، و... حتى يصل الأمر للعراق. حيث تدلي كل واحدة منهن بدلوها . ثم تلتفت إحداهن قائلة: تصفى تصفى .. لن تبقى الأحوال هكذا للأبد . رغم كل المشاكل ستنقشع الغيوم . وتصفو السماء. دعونا نتناول الطعام الآن.

الولد مسرعا لأبيه: أبي أبي لقد مات المؤذن
الأب يصيح بظفر: الم اقل لك يا ولدي الله كريم سوف ينتقم منه
الولد يزم شفتيه متبرما: نعم يا أبي الله كريم . لكنه لم ينتقم منه. أنا من ألقيت بالمؤذن من فوق المأذنة. وان لم افعل لكان المؤذن إلى الآن في فراش أمي.






Shatha

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

-----
Share |
------