------------ --------
Share |

مرارة العسل الهندي





عندما صرخ سلفادور دالي ذات يوم مستنكراً امراً ما لم يحتج لأنه رسام موهوب، واسم لامع بل صرح بعبارة محيرة هاتفاً: عليكم احترامي فلقد ولدت في زمن السينما.. ربما ضحك بعض من سمعها وقتذاك، لكن هل كانت عبقرية دالي في استقراء المستقبل لا تقل لمعانا عن عبقريته في فن الرسم . الزمن أجاب بنعم.
الأفلام. السينما. المسلسلات التلفزيونية أو الدراما كما يحبون تسميتها اليوم تستحوذ على جل اهتمام الجمهور العريض وتستقطبه لأهدافها المعلنة والمبطنة، ومشاريعها.
لايستثنى من هذا التعداد أيا من الدول المتواضعة الإنتاج بل هي مستهلكة ومدمنة على الدراما لكل ما تنتجه أو ما تستورده.



الملفت إن إنتاجها يتسم أحيانا كثيرة بالسذاجة والهيافة ، أو يفتقر لأبسط مقومات العمل الفني رغم أن السينما العالمية قد دخلت مرحلة الرقميات والإبعاد الثلاثية وصارت تخاطب أفلامها الخيال .
لماذا ربما لان القائمين عليه لا يملكون الوقت الكافي في العناية بهذه الصناعة وتقدير قيمتها فرغم الإمكانيات ،والإنتاج الضخم تجد الإعمال هزيلة باهتة بلا طعم أو معنى بل تعزز تخلف الناس وتخدر مشاعرهم وحواسهم وتناغي موروثهم الاجتماعي الخاطئ مثل النظرة الدونية للشعوب والأقوام الأخر ..والظن ـ رغم التخلف والفقر والدمار والتهميش ـ بأنهم أفضل منهم وان من حقهم السخرية من الآخرين وطريقة عيشهم ولغتهم ، والاستهزاء بحضارتهم .. فبماذا وعلى أي أسس كونكريتية دفعت هذه المؤسسات الإنتاجية للنيل من الآخرين والانتقاص منهم.
تعود علينا بعض الفضائيات العراقية كل سنة بسلسلة من الأعمال الارتجالية البائسة التي لا تفهم منها سطرين وليس بها حوار معقول بل تهريج حتى تصاب بالغثيان وأنت تتابع الحال البائس الذي آل إليه الفن في هذا البلد الذي كان قد خطى خطوات مهمة في الأعمال الفنية الرصينة والجادة وكان يشاد بأعلامه.
من ضمن هذه الأعمال أعمالا تتناول الهند موضوعا مثل: حب في الهند وفلم هندي، وربما سيأتي لاحقا تمر هندي . لا تضوج بالهندي.. وفيها تجد الفنانين يهرجون .يصرخون ، وينطنطون بطرق تجعل المشاهد يتصبب عرقا من الخجل وهو يتابع ما يدور. لماذا الهند؟
سيقال لأنها حضارة عظيمة .. هل أظهرت الأفلام والمسلسلات الهزيلة هذه شيئا من عظمة حضارة الهند . هل سطرت لنا التقدم والتطور الهائل في بلد الديمقراطيات الأولى في العالم .. هل نقل شيئا مفيدا ـ لبلد يتمزق ـ عن التعددية والتعايش بين الطوائف والفرق والشعوب والأديان المختلفة في الهند. هل نقلت التسارع الخطير في التقدم التقني والعلمي في الهند على سبيل المثال لا الحصر ما حققته الهند من نجاحات في البرمجيات والأشواط التي قطعتها فيها. هل تحدثت المسلسلات كيف يبدع الهنود في الانتقال ببلدهم المتنوع الأعراق واللغات والديانات الى مصاف الدول العظمى، ويضمنون لأنفسهم مكانا في الغد.





الإجابة على كل هذه الأسئلة لا..بل ما زالت هذه المسلسلات تستعرض الصورة النمطية المقيتة والمتعالية عن الهنود، وتسخر منهم وتصورهم بأنهم سذج ،مغفلون تمط الكلمات المحورة عن لغتهم لمزيد من السخرية بهم.
لا يهم ليسخر من يريد، لكن هناك أسئلة بالمقابل تستحق الإجابة. دخيلكم ما الذي يتفوق به العرب كلهم بالإجماع عن الهنود ..أين قنبلتهم الذرية،، أين أقمارهم الصناعية .. أين صناعتهم الخفيفة والثقيلة ، من ابسط الأدوات مرورا بالكمبيوترات المحمولة على الهواتف الخلوية الى الكمبيوترات المحمولة بأسعار تلائم طلاب المدارس فالبرمجيات حتى صناعة السيارات التي راحت تنافس بها كبريات الشركات العالمية .. إضافة الى صولاتهم وجولاتهم في حقول الفن والأدب والإبداع وما قدموه ويقدموه كل يوم يحبس الأنفاس . السينما الهندية غزت الدول الأوربية صارت ركن مهم من أركان مكتباتها فتجد أفلام بوليود في كل مكتبة سينمائية أو متجر. حتى هوليوود التي جاهدت لإيقاف زحفهم لم تملك قبل سنتين من إدارة ظهرها للمتشرد الذي ما أن سار على بساطها الأحمر حتى حصد ثمان جوائز اوسكار.
إذن لما يتناولون الى اليوم الهند ويسخرون منها. أظن الجواب ابعد من التعالي والانتقاص من شعب وحضارة لن تنال منها أعمالا نكرة مثل هذه لكن القضية المخيفة هي أن هذه الأعمال يتابعها البسطاء والمسحوقون ومن لا يجد قوت يومه ،فتساهم بدورها في إغراقه بوهم التميز والاستعلاء والمكانة الرفيعة عندما تقدم له الآخرين على نحو مخزي ومشين. تعزز إحساسه بالنرجسية وتدفعه للشعور بالخدر والتكاسل. فهل سأل أيا من المشاهدين بما أتفوق انأ عن الهندي؟. قبل أن يصدمه الجواب عليه فقط أن ينظر لبعض الحقائق التي سطرها المقال ليجد نفسه يرد متى أتوقف عن الوهم واحترام نفسي قبل الآخرين.



يبرع القائمون على مثل هذه الأعمال في النيل من المتناولين لإعمالهم بالنقد والاستعراض باتهامهم بأنهم صحافة صفراء. ليكن صفراء حمراء خضراء أو حتى صحافة البازلاء .. كل هذا لا يعفيهم من أن يكونوا احد أسباب البلاء في تدمير الشخصية ومنعها من التفكير الجدي بواقعها المرير ومحاولة النهوض والمساهمة في فهم العالم الجديد حيث يسعى الناس للحصول على فرص مساواة عادلة وسلوك حضاري تتقلص فيه حتى تكاد تختفي الخصائص العدائية والإحكام الجاهزة القادمة من عهود التخلف والهمجية.
للحديث بقية
الى اللقاء
د. شــذى








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

-----
Share |
------