متى ترمى سهامكم
قلما تلقى الاساطير راحتها على رفوف الذاكرة. هناك من لايدع غبار الاهمال والنسيان لينال منها ،ولان جوانبها متعددة يتبارى الكثير في طرق عرضها،و القصة التي نشرت عام 1938والتي حملت عنوان مغامرات روبن هود واحدة منها. حيث الهمت من جديد مخرج الملاحم ريدلي سكوت Ridley Scott ليعيدها لنا شريطا سينمائيا شيقا نعيد معه تقيم الاسطورة وما عرفناه عنها.
حين تطالع العنوان التقليدي غير المزوق روبن هود والمختار ببساطة وعناية فائقة تدل على عقل لا يخطئ فن التسويق وبالتأكيد الكاتبة لا تنتمي له , والا كانت اختارته!. من العنوان تفكر بانك مدعو لمغامرات صاحب السهم الامضى في تاريخ الرماة على وجه البسيطة . والكثير من المشاهد الشيقة عن سرقات ومفارقاتها.
لكنك تفاجئ باحداث وتفاصيل بعيدة كل البعد عما اوهمت نفسك به ، تجد نفسك في حملة ريتشارد الذي يعرفه العرب بقلب الاسد في فرنسا واحداث معركة تندلع يظهر فيها بطل مهارات فائقة في القتال، وثم احداث صغيرة لتقودك الى ملك قد رفعت منه هالة المجد التي احاطته قرون سحيقة في مخيلتنا لاننا لا نلمك الا تلميع الهالات بايدي مهترئة من الانتظار لعطاياها التي لن تأتي!!!!.
ولأول مرة من الغرب لا الشرق هذا النقد اللاذع اللماح للحروب الصليبة وجدواها، واحراج ابرز ملوكها باسئلة يدفع ثمنها السائل وهو المحارب روبن لونغستريد Robin Longstride كما هو اسمه الحقيقي فيواجه الحبس القصري في زنزانات معدة للمتمردين.
وتتلاحق الاحداث بعضها مفارقات تشبه الخيال لتريك بان المقاتل ليس صعلوكا بل ابنا لنبيل قدير دفع حياته ثمنا لمبادئه ، ليترتب على ابنه بالتالي ان يتحمل عبئ كبيرا من بعده
ان كانت احداث الفلم اخبرتنا عن خلفية بطلنا الذي عرفناه جميعا بروبن هود Robin Hood جيث الصقت به الروايات صفات ثابتة ....سارق صعلوك . مشرد من سكان الغابات. رام لا يخطئ سهمه ..الخ ،ففندت الكثير منها الا الاهم مستفزة فينا الرغبة في البحث عن حقيقة الاساطير ، ثم منشأها ،وهذا لعمري هدف تربوي بالغ الاهمية .يصر المخرج باستحضاره على الدوام في افلامه ,وهو ما رأيناه في اداء النجم اللامع رسل كرو Russell Crowe في فلمه الذي يعد احد ابرز افلام هوليوود الملحمية على الاطلاق في الكلادياتور Gladiator ، والكثير من الحقائق التي دعي المشاهد الى تفيدها والتفكير بمصداقيتها.
الشريط الذي اختار نجومه بعناية ـ الى جانب رسل كرو كانت الممثلة القديرة كاتي بلانشيت Cate Blanchett ـ عرف كيف يوظفهم لخدمة اهدافه في اعادة الاعتبار لهذه الشخصية الاسطورية الفذة التي تصور في افلام الرسوم المتحركة وغيرها على انها اشبه بصعلوك مجهول الهوية. بل هو نبيل ورجل دعى بصوت عال وواضح الى حقوق الرعية مطالبا بحقها في قرارات الدولة. قاتل الى جانب ملكين من ملوك انكلترا وقتذاك ولم يكونا عظيمين كما تصورهم لنا الاساطير لا بل ان الصغير لم يكن غير ملك متذبذب ، ممتلئ بالغرور والتعالي . ولا يتوانى عن اقصاء ايا كان عندما تسنح له الفرصة. فهل ما زالت هذه النماذج متوفرة عندنا اليوم في اسواق الحكم وادارة امور الرعية!.
ان اختيار روبن للحياة في الغابات،وتشكيل مجتمعه البعيد عن مجتمع البلاط الملكي المتحضر بسبب رغبته بالعدالة ، التي اغتصبها الملك بنكثه لعهوده، كان السهم الاهم الذي اطلق في الفلم هو ذاك الذي اصاب به روبن الخائن الذي باع البلد وعاث في الارض فسادا.هدم المدن واستباح دماءها واعراضها. لم يخطئه،وهو السهم الذي عاد ليثبت حقيقة طغيان الملك في رقعة خطها تبلغ العامة بانه خارج عن القانون لمطالبته بقانون عادل يمنح للرعية حقوقها. ليخرج بعدها حقا عن القانون الذي رفض ان يتغير ليوافق طموحات الناس وامالهم.
لم يكن في الفلم مغامرات من تلك التي قرأناها في قصص روبن هود التقليدية او عربات يتم احتجازها ، وسرقات تعطي الفقراء بعضا من كنوز الاثرياء.بل كانت هناك اغراضا اخرى لسهام روبن هود سهام اطلقت لتصيب المسلم به في معتقدات الشعوب وما يتوارثوه حسب رأي المؤرخين من نظريات. وليعيدنا الجرح الفائر للتفكير بالكثير الذي لم نجرؤ الى اليوم حتى بالنظر اليه.بمنطقيته واحقيته في معتقداتنا .. اساطيرنا وحكايانا.
هم يمتلكون التقنية، الخبرة ، والنجوم اللامعة التي تجتمع لتعضد ريادتهم في التغيير ، واستقصاء الحقائق. وانتم سادتي تملكون العقل والمنطق والغيرة الحميدة التي تدفعكم لتلتفتوا الى باقي الحقائق القادمة من عمق التاريخ وتناقشونها وتفندونها، مكتشفين صحتها من بطلانها . وتعيدونها الى الحياة بوجهها الصحيح. السهم الاول اطلقه روبن هود ببراعة ..فهل ستأتي سهامكم التالية لتصيب كبد حقيقة جديدة باسطورة مركونة على رفوف تاريخنا تحتاج لعنايتكم في التقصي عن جدوى بقائها هناك، وعن صورتها الحقيقية . الامر مناط بكم. والسهام تنتطر بفارغ الصبر في كنانتكم.
استودعكم
والى اللقاء
شــــــــذى
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
استعراض رائع للشريط السينمائي روبن هود بنسخته الجديدة ، ويبدو ان تطور تقنيات السينما هو السبب في اعادة انتاج تلك الاساطير التي يمكن اعادة قراءتها كلما تطورت الازمنة ، وبكل تاكيد فان للاخراج صياغة جديدة بعد الصيناريو وكذلك المونتاج ليكون للقدرة الابداعية للممثل الدور الجديد في تجسيد شخوص العمل بما يضعها في ذاكرة المتلقي كحقيقة ملموسة ، وكذا نجد النجم رسل كراو الذي سبق له وان جسد شخصية مشابهة في شريط اسطوري .. اعجبت كثيرا في قراءتك لهذه الحرفة .. تحياتي
ردحذفنحن في العراق اصبح لدينا اسطورة روبن فرهود ..... الشخصية التي تمثل كل الذين استولوا بعد السقوط على جميع ما اغتصبه لصوص صدام من العراقيين لثلاثة عقود وبدلا من اعادتها الى اصحابه الشرعيين سجلوها باسمائهم بل وفاقوا في سرقاتهم وفسادهم كل حرامية بغداد في العهود الماضية....
ردحذفالعزيزه د شذى تحية طيبه.
ردحذفموضوع جميل جداً ولمساتك أضافت الكثير من التشويق لمشاهدة هذا النوع من الأعمال السينمائيه ..أنا من مدمني مشاهدة الأفلام وتعجبني الجرأه في الطرح التي تمتاز بها السينما المصريه لقد كشفت المستور عن قضايا أجتماعيه وبأسلوب غاية في الأبداع يعكس جهود كتاب ومخرجين وممثلين لا يقلون أبداً عن مشاهير عالميين ولكن المشكله لا زالت قائمه في وجود خطوط حمراء لايمكن القفز عليها لكي لايثير موضوع الفلم زوبعة من الأزهر أو الكنيسه وهنا الفارق ياعزيزتي لأن الأعمال الأدبيه والسينمائيه في الغرب تتمتع بحرية أكبر على العكس من هذا في الدول العربيه وبالذات في مصر .رواية لكاتب مصري أسمها عزازيل حازت على جوائز الأبداع الأدبي وقابلتها الكنيسه برفع دعوى على الكاتب يوسف زيدان .الأزهر لازال يتدخل ويمنع تجسيد شخوص معينه ويفرض تحفظات على النصوص ..لولا هذا لأتسع نطاق الأنتاج السينمائي وتناول قضايا مجتمعاتنا بحاجه لطرحها بصراحة ومن دون رتوش .
شكراً لك د شذى والى مواضيع رائعه أخرى