ينبري الكثير من المجتهدين للعمل في اختصاصات نادرة يحسدون عليها. من ضمن هذه الاختصاصات مثلا كتابة ما لا يعد ولا يحصى من الرسائل لكل من يقع تحت رحمتهم بعنوانه البريدي او حسابه على النت يحثونهم بها على ترديد أدعية او حفظ أخرى محذرين إياهم من مخاطر التقاعس عن أداءها متفضلين بشرح اللعنات التي ستقع على رؤوس المتهاونين .
آخرون تخصصوا في البحث عن معاني ومعجزات خفية في النصوص الدينية ينقلوها لنا نحن العامة من الناس عن طيب خاطر غايتهم نقلنا من الظلمات الى النور.
كنت قبل حين اقرأها وأمر بأسئلتي عليها مرور الكرام. لكن إهانة حبيبة الكاتب السعودي الشهير ووصفها لمن لا تساهم بالفكر بالخواء الفكري استفزتني، وضاعفت من جديتي في قراءة النصوص والبحث في مصداقيتها فجزاها الله عني كل خير!!!!. لما لا وهي سيدة مجتمع نقلت الكثيرات الى بر الأمان فلن أمانع لو أنها رمت لقاربي الصغير الذي تتلاطمه أمواج الحيرى بحبل النجاة وحرضتني على الإمساك به .
احد هذه الرسائل التي تم توزيعها على النت وانتشرت انتشار النار في الهشيم فيها مقال يتحدث عن الفرق بين المرأة والزوجة .. وبثقة يستعرض المقال الفرق فيمضي قائلا:
الفرق بين الزوجة – والمرأة
تبهرني العقول المتفتحة التي تفسر لنا ما لا ندركه
من كلام الخالق جل شأنه
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله
تعالوا وتعرفوا على البلاغة في القران والدقة في التعبير والبيان ثم قولوا سبحانك ياعظيم يامنان
متى تكون المرأة زوجاً ومتى لا تكون ؟
عند استقراء الآيات القرآنية التي جاء فيها اللفظين ، نلحظ أن لفظ "زوج" يُطلق على المرأة إذا كانت الزوجية تامّة بينها وبين زوجها ، وكان التوافق والإقتران والإنسجام تامّاً بينهما ، بدون اختلاف ديني أو نفسي أو جنسي .. فإن لم يكن التوافق ولم تكن الزوجية متحقّقة بينهما ، فإن القرآن يطلق عليها امرأة" وليست زوجاً
فإذا لم يتحقّق الإنسجام والتشابه والتوافق بين
الزوجين لمانع من الموانع فإن القرآن يسمّي الأنثى"امرأة" وليس "زوجاً"
قال القرآن : امرأة نوح ، وامرأة لوط ، ولم يقل : زوج نوح أو زوج لوط ، وهذا في قوله تعالى : "ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا" إنهما كافرتان ، مع أن كل واحدة منهما امرأة نبي ، ولكن كفرها لم يحقّق الإنسجام والتوافق بينها وبين بعلها النبي . ولهذا ليست "زوجاً" له ، وإنما هي"امرأة" تحته
ويذهب المقال بعد ذلك الى قصة اخرى ذكرت في القرآن وان كانت الصورة معكوسة أي المرأة مؤمنة والرجل كافر فيسوق لنا المثال التالي....
ولهذا الاعتبار قال القرآن :الزوجية،ن ، في قوله تعالى : "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ" . لأن بينها وبين فرعون مانع من الزوجية ، فهي مؤمنة وهو كافر ، ولذلك لم يتحقّق الانسجام بينهما، فهي "امرأته" وليست "زوجه".
إذن كما تبين لنا من الشرح أعلاه ان كلمة زوجة تطلق عندما يتم التوافق بين الطرفين ..فرحت تماما لقراءتي ذلك فالى ألان لم أجد إلا تحقير وتسفيه للمرأة وهضم حقوقها ، والتنافس في إيجاد مخارج تحمل الحجج الدامغة بتبعيتها وفق أحكام السماء للديانات المتنوعة اليهودية والمسيحية والإسلام تؤكد تدني مكانتها عن الرجل وخضوعها له .. لأول مرة اسمع شيئا يتعلق بالتوافق والمساواة البداية طيبة للغاية.
فلنتابع...
ومن روائع التعبير القرآني العظيم في التفريق بين "زوج" و"امرأة" ما جرى في إخبار القرآن عن دعاء زكريا ، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ، أن يرزقه ولداً يرثه . فقد كانت امرأته عاقر لا تنجب ، وطمع هو في آية من الله تعالى ، فاستجاب الله له ، وجعل امرأته قادرة على الحمل والولادة
عندما كانت امرأته عاقراً أطلق عليها القرآن كلمة "امرأة" ، قال تعالى على لسان زكريا : "وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا" . وعندما أخبره الله تعالى أنه استجاب دعاءه ، وأنه سيرزقه بغلام ، أعاد الكلام عن عقم امرأته ، فكيف تلد وهي عاقر ، قال تعالى : "قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء" وحكمة إطلاق كلمة "امرأة" على زوج زكريا عليه السلام أن الزوجية بينهما لم تتحقّق في أتمّ صورها وحالاتها ، رغم أنه نبي ، ورغم أن امرأته كانت مؤمنة ، وكانا على وفاق تامّ من الناحية الدينية الإيمانية ولكن عدم التوافق والإنسجام التامّ بينهما ، كان في عدم إنجاب امرأته ، والهدف "النسلي" من الزواج هو النسل والذرية ، فإذا وُجد مانع بيولوجي عند أحد الزوجين يمنعه من الإنجاب ، فإن الزوجية لم تتحقّق بصورة تامّة (( ادعوكم قرائي الكرام بإلحاح لعدم نسيان هذه الفقرات لاحقا لأهميتها البالغة)) ولأن امرأة زكريا عليه السلام عاقر ، فإن الزوجية بينهما لم تتمّ بصورة متكاملة ، ولذلك أطلق عليها القرآن كلمة "امرأة" وبعدما زال المانع من الحمل ، وأصلحها الله تعالى ، وولدت لزكريا ابنه يحيى ، فإن القرآن لم يطلق عليها"امرأة" ، وإنما أطلق عليها كلمة "زوج" ، لأن الزوجية تحقّقت بينهما على أتمّ صورة . قال تعالى: "وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ" .
يمضي المقال في الختام الى تلخيص الهدف منه بالقول: والخلاصة أن امرأة زكريا عليه السلام قبل ولادتها يحيى هي "امرأة" زكريا في القرآن ، لكنها بعد ولادتها يحيى هي "زوج" وليست مجرّد امرأته وبهذا عرفنا الفرق الدقيق بين "زوج" و"امرأة" في التعبير القرآني العظيم ، وأنهما ليسا مترادفين
الحقيقة الجزء الثاني من المقال ساق لنا سببا اخر مختلفا جدا عن السبب الاول ويتعلق بموضوع شديد الحساسية والاهمية وهو موضوع الانجاب . وشرح بالتفصيل بان المرأة التي لا تنجب لاتنال شرف الزوجة (رغم إن عدم الإنجاب ليس اختيار المرأة وهذا موضوع أخر ) . فبقيت المرأة امرأة في مؤسسة الارتباط الشرعي ولم تسمى زوجة. كان من الممكن ان امضي بسلام فرحة ومبسوطة بما سمعته عن المساواة في قصة زوجة فرعون وزوجتا نوح و لوط . لكن قصة زكريا خلطت أمامي كل الأوراق ودفعت الى رأسي عشرات الأسئلة.. أليست النصوص القرآنية عامة أي تشمل البشرية بكل شرائحهم وفصائلهم وشخوصهم وقد اتخذت من قصص الأنبياء وما مروا به من تجارب أمثلة على ذلك. وجدت احتمال الإجابة بنعم اكبر. فالقرآن يزخر بالآيات التي تتحدث عن النبي محمد وما صادفه وأسرته كل يوم من ظروف حياتية، وأحكام السماء بشأنها التي تحولت الى شرائع غير قابلة للمجادلة . وبعضها دروسا وعظات منها ما حصل لعائشة بنت ابي بكر.. لكن مهلا هي دون غيرها هذه المرأة الاستثناء في تاريخ العرب والمسلمين قلما تخلو الإحداث من رابط يصل إليها ويدعو بإلحاح الى استحضارها بكل هيبتها التاريخية وتأثيرها الذي يختلف عليه محبيها وأعدائها. فهذه السيدة التي دخلت بيت نبي الإسلام في التاسعة من عمرها ذكرتها كل المصادر باسم زوجة ولم تكن امرأة النبي حتى بلعبها وبراءتها وطفولتها... كيف يتفق ذلك مع الجزء الثاني من شرح المقال ،فالنصوص صريحة حسب المقال ..كل أنثى لا تنجب هي امرأة ومتى ما أنجبت سميت زوجة لاستيفائها بشروط الزوجية. لكن عائشة زوجة النبي لم تنجب أي بقيت عاقرا، وان النبي محمد تزوج من عدد كبير من النساء اختلف المؤرخون فيه. كلهن سمين زوجات النبي.. في قوله تعالى : "النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ"
رغم إنهن لم ينجبن له او تمر أحداهن بمرحلة امرأة قبل الولادة ثم زوجة.. بينما أنجبت له سريرته أي الجارية التي وصلته هدية من مصر. ولم يتم رفعها الى مصاف الزوجات رغم أنها هي من أنجبت له الولد ولم تنل هذا الشرف أيا منهن. لكن لم نقرأ أي نص بماريا القبطية يؤكد ما ذهبت إليه المقال او الدراسة او اكتشافات العقول المبهرة ، وتم اعتمادها كزوجة، ولم تخبرنا أياُ من المراجع الموثوق بها بأي قصة عن تغير تسلسلها الهرمي بين نساء النبي الأخريات ،وعلو كعبها عليهن ، او نزول أية ترفعها عنهن درجة . السيدة الأولى في حياة النبي محمد خديجة التي أنجبت له أولاده لم تذكر بالقرآن بأي من الآيات ولم تخص بأي من المآثر التي أشارت إليها المقالة رغم أنها رفيقة الدرب ولها مكانة سامية وأحاديث عديدة عن مؤازرتها للزوج ودعمه .. وكان يحق لها تكريم على الأقل مساوئ إن لم يكن اعلي من باقي نساء النبي في النصوص ..
إن المقال أوقع قارئيه في مطبات التصديق والتساؤل ، واضعف حججه التي لم تنطبق على زوجات النبي . وان طبقنا إحكام النصوص فان كل النساء اللواتي كن في عهدة النبي محمد لم يكن زوجاته!!..فقط اثنتان تصفان ضمن هذا الجدول وتختلفان معه بطريقة وأخرى . بمعنى خديجة التي تزوجته قبل الوحي والتي لم تذكر في القران ، وماريا القبطية التي كانت سريرته وكانت بمنزلة اقل من منزلة الأخريات ولم تذكر لنا المصادر ان النبي اعتقها وتزوجها ومن يقول بان الولد يعتق أمه حسب بعض المصادر لا يقنع شيخاً مشهوراً ونجماً لامعاً مثل محمد العريضي بان ماريا القبطية كانت زوجة النبي ، فكيف سيستطيع احد أن يقنع الباقين بأنها اعلي كعباً وأسمى مكانة بل حتى اقرب للمساواة مع الأخريات ذوات الحسب والنسب ،وكل تفاصيل الشرح الوافي أعلاه في علاقة الشراكة التي تسمى مؤسسة زواج لم تشملها.. لعل الإعجاز الوحيد الذي وزعه المقال على الشبكة العنكبوتية للملايين هو العجز عن الخروج من متاهة الضياع التي سببتها لنا الأسئلة الملحة التي طرحت بسبب ما جاء فيه.
د . شــــــــــذى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.