أفتح شباكك
أفتح شباكك
من جميل الأغاني تلك التي تعلق في ذهنك وأنت لا تعرف شكل مطربها ولا كيف علقت ومتى وأين ولما. هذا ما حصل معي وأنا أهم بكتابة هذا المقال فقفزت إلى ذهني ترنيمة أغنية مصرية رائعة يقول مطلعها افتح شباكك للنور... ولا اذكر أي حرف أخر من الأغنية ولا اعرف متى سمعتها إن عرفها احد ممن يقع بيده المقال ارجوه باعتزاز أن يرسلها لي.
لما لأنني عهدت الناس في العراق منذ ولادتي وشبابيكهم مغلقة.و لأنني من أسرة محافظة جدا كان فتح الستائر من الكبائر مخافة أن تتطلع عين فضولية إلى داخل بيتنا وان يرانا رجل.كبرت وأنا لا اعرف إلا الشبابيك المغلقة وعيون الذين بالخارج شريرة تريد بنا السوء . الخوف يعشش في أعماقي من ترك النوافذ مفتوحة بعد تنظيفها والستائر مشرعة. كبرت وسمعت كل من حولي يهمس برأيه حتى في أسعار البطاطا وطرق عرضها بالسوق كانت ستائر أرائهم مغلقة على الدوام لان النظام قاس وعيونه شريرة فيا ويلهم إن هي تطلعت على خفايا قلوبنا وما تكنه من أراء لا ترضيها. صار كل شيء في العتمة. الأحلام التي لا تتفق مع السياسة . الرغبة في الحياة بالنسبة للرجال لان الرجال الذين لا يذهبون للموت جبناء ، وكم أعادوا علينا أشرطة الآباء الذين انهوا حياة أبنائهم لأنهم تقاعسوا عن الذهاب إلى جبهات الموت لينتصر القائد المفدى وابنه يعيث في أعراض فتيات العاصمة فسادا.
أقصى بطولة تسجل هو أن تبرم شفتيك استنكارا مكتوما وتطأ طأ رأسك وتمضي إذا ما دعيت إلى احتفالية عيد القائد في مكان عام أو محاضرة تسطر أمجاده وصنائعه وعظيم عطاياه وفضله على الخلق . أم مسيرة تأييد له مناكدة بالغرب و خصومه الذين يصفونه بالدكتاتور. بالمناسبة أول مرة سمعت بالقائد يلقب بالدكتاتور كانت في عمان .عندما التقيت بالقاص العراقي الكبير فيصل عبد الحسن وقال بأنه استطاع الإفلات من نظام الدكتاتور .. وان كنت سبقته بالهرب لكنني لم أكن بعد ببلاغة فيصل بالتعبير!.
لما أقص عليكم كل ذلك . لما أشغلكم ما شأنكم بكل هذا ؟. الآن سأقول لكم لأنني رأيت الفلم المنقول من العراق الذبيح بعد إصدار قرار منع قسمي الموسيقى والمسرح وتدريس موادهما في معهد الفنون. رأيت بعيون الأساتذة الستائر مسدلة والشبابيك الصدئة المقابض هي هي . رأيت في عيون الطلاب نفس الخوف والخشية التي عشناها زمن القائد الرمز الذي انتقل لجوار ربه. رأيت الهلع وكأن التاريخ لم يحرك قدمه الثقيلة خطوة واحدة إلى الأمام. رأيت كل ذلك وفاضت عبرتي . ترى ما الذي كنا ننتظره بخوفنا أيام القائد الرمز لما لم يجرؤ احد على رفع ستائره . ماذا كان سيحصل لو أننا رغبنا وقتها بالحياة الكريمة ورفعنا دفعة واحدة أطراف ستائرنا وتطلعنا لجمال الشمس التي تتوسلنا بأشعتها اللاهبة كل يوم بينما يتوسلها الآخرون في العالم البارد لكنها لا تستجيب. كم من الأصابع كان من الممكن أن يقلمها أو يكسرها القائد بجبروته. وكم هو عدد الأصابع التي كان من الممكن أن تبقى لتتم فتح الستائر والشبابيك للحياة. واليوم إن كنا أضعنا بجبننا كل هذه الإمكانيات وفررنا وتشردنا ملايين ببقاع الأرض فما الذي ينتظره الباقون ليتجنبوا أخطائنا القاتلة. ليصدوا العصابات البائسة التي تعبث في قدرهم وتسرق مقدراتهم وتاريخهم وغدهم وتستهزئ بآدميتهم. متى سيستمعون للحن شجي وهو يصدح افتح شباكك للنور. وكيف بعد أن منعت عنهم الموسيقى وغدا يمنع عنهم ارتياد الأسواق وبعدها الحديث في الأماكن العامة . وبعدها المطالبة بالكهرباء لأنها من الكبائر.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
موضوع جميل و على الدوام تبهريني بأفكار مواضيعك.
ردحذفاروي لك قصة من ايام الدراسة:
ذات يوم دعانا الى الغداء احد اصدقاء الدراسة في بيته و هو بيت في منطقة راقية و اهله متعلمون الاب مهندس و الام معلمة.
صالة الاستقبال كانت مرتبة و جميلة جداً يخيل لك انها لبيت وزير لامتلائها بالفرش الراقي من اثاث الى التحفيات و الستائر الغالية و التي كانت مغلقة تماماً و لا تستطيعين ان تفتحيها الا بصعوبة.
لكن الذي ادهشني كثيراً ان زجاج باقي غرف المنزل (الحمام و المطبخ و غرفة الزميل و هو رجل) مطلي بالوان اما سوداء او زرقاء!!!!
فجائت على بالي اغنية محمد منير شبابيك الدنيا كلها شبابيك فغنيتها له و غنيناها له نحن المدعوين و صرنا نتندر بالاغنية كلما مر زميلنا صاحب الشبابيك المغلقة.
اما الان فالشبابيك في العراق تزداد اسوداداً
مع التحية
د. عمار صالح