------------ --------
Share |

إفادة شهيد




إفادة شهيد
تذكرت وأنا اقلب صفحات أسرتي على الشبكة وتقع عيني على الاختيار اليومي للمتجدد علي الرافدين وقراءتي لموضوعه يوم الشهيد قصة كانت وما زالت قريبة من قلبي.
هي ما بين قصص الزمن الصعب والمعارك الدامية التي تضيع في المجموع منها قصة الفرد وتنماث دقائق رحيله عن عالمنا بين قطرات دماء أخرى تسيل قريبا منه أو حوله.

سطر علي الرافدين ما قام به الإيرانيون من تصفيات جسدية مرعبة بحق الجنود والضباط ومراتب الجيش العراقي. ليس غريبا عنهم ، ربما هي ثارات تاريخ لا تريد أن تهدأ. لقد كان ديدنهم القتل والتنكيل على الدوام وكان ابن الرافدين دوما المستهدف فان عجزوا عن النيل منه تحينوا الفرص وكل ما تحتاجه هو أن تستل من رفوف الزمن كتابا من صفوف كتب كثيرة لتبحر في تلاطم صنائعهم وحقدهم وكراهيتهم للحضارة التي نشأت على هذه الأرض والتي وصلت إلى حد إلغائها والادعاء بأنهم كانوا مصدرها.


لكن قصتي التي أردت أن ارويها لا تعني عن الحقد بل عن مشاهد من عمليات الإبادة تلك . رواها شهيد حي يرزق . لم يعلق على صدره نيشانا ولم تنثر على رأس أمه الدنانير كي تحبس دموعها باستحقاقات شهيد. بل عاد مكللا بغار الحياة وعاريا بوجه ريح أيامها العاتي.
يقول الشهيد بإفادته.... انه كان في موقعه في الجبهة . وكانوا ينتظرون أو يحضرون لواجباتهم اليومية عندما هجم عليهم الإيرانيون بغتة وأمروهم بان يتمددوا على بطونهم وبدئوا بتصفيتهم الواحد تلو الأخر.
كان الصف طويلا والصور التي تدافعت في مخيلة الشهيد الراوي عديدة راح يعد كيف تخبو ضحكة طارق. فاضل . محسن . علي . علاء . سعد وعروسه التي ينتظرها بفارغ الصبر لم يشبع بعد من عناقها تبدو بين يديه مثل فاكهة طازجة وعندما تستعر نار شهوته تتراخى فيشعر بحلاوة نصر وردي لم يتنهد لمثله طيلة سنواته التي قاتل بها في الجبهة.
جعفر الذي وعد ابنه بان يشتري له بالزيارة القادمة دراجة . ادخر من راتبه ثمنها وقرر أن يذهبا معا لشرائها.
حقي الذي يريد أن يذهب للناشر بمجموعته القصصية الجديدة . مزينة بتخطيطات حسين الذي تعرف عليه عندما انتقل لوحدتهم كأنه عثر على كنز ثمين.
مصطفى وسكوته الطويل ونظرة الجزع التي يتأمل بها صحراء لا تنتهي وحرب لا تريد أن تضع أوزارها.
عزام ومطعمه الذي ترك عمه العجوز يرعاه إلى اجل غير مسمى وحديثه المفعم برائحة الأطعمة الدسمة وأعدادها. ومسيرة عشقه للطبخ وفنونه.


كل قصة كانت تأخذ من الشهيد التائه في لجج التصفية الشرسة ليس أكثر من ثواني ذبحها ببارود الإيرانيين . اقتربت أصوات الرصاص كثيرا ، وإذا به يعود إلى المرآة ليرى صورته شاحبا اختفت كل أثار الحياة من ملامحه ودمعة بحرارة حمم البراكين تسيل على خده ما يفعل ما عليه قوله لحظات وتناله الرصاصات الإيرانية . كيف لي أن أوقف حزنك أيتها الغالية . مسدت رأسه في عرض المرآة ووقفت قبالة عينيه لتقول يا نار كوني بردا وسلاما على من أنزلته من ثنايا روحي.
تحشرجت الطلقات سمع صوت استبدال مخزن الذخيرة ، رغم عنه حبس أنفاسه. فظن الإيراني بأنه صفاه بعدها استدار متحدثا مع أخر فاته العد بشكل صحيح أم لم يبالي لان الجنود العراقيين لم يكونوا يشكلون له أي أهمية أكمل تصفية الصف وبقي الشهيد التائه وحده. وحده يعاني نتائج العرض المأساوي وما آل إليه مصير أصدقاء كانوا قبل لحظات يملؤن الدنيا صخبا وحلما وأماني.

تذكر اللحظة التي غفل عنها الموت عن عناقه واصطحابه لدروبه المجهولة وتذكر وجهها وبرده وسلامه.
إنها شهادة ليس لخيال الأدب فيها إلا نصيب السرد. إنها قصة شهيد حي وإفادته التي لا تحتاج لبرهان لسبب بسيط فهي لم تكافئ بزمن حكم صدام ، ولا تثير كثيرا من شهية خلفه الذي يحفظ للإيرانيين ودا خاصا ويحرجه الحديث عن أفعالها التي كانت وما زالت تنال من العراقيين . إنها الشهادات الناصعة التي تحتفظ برصيد عال من الحقيقة لا يصرفه أي من مصارف النفاق الدبلوماسي أو السلطوي في أي مكان. إفادة شهيد لظلم لا يقبل أن يدحر أو ينزاح من مشهد حياة العراقيين اليومي.

ملاحظة : القصة حقيقية وقعت أحداثها أثناء الحرب العراقية الإيرانية وبطلها احد شعراء العراق. ولخصوصية تفاصيلها لم استطع أن أدون اسمه عله بقراءته للقصة يسمح بعرض اسمه لجمهور القراء والخيار عائد له.
تلقيت لتوي موافقة الشاعر العراقي منذر عبد الحر في قبوله نشر اسمه لان القصة وقعت له مع اعتزازنا به مبدعا كبيرا وعراقيا متواضعا

د. شـــذى احمد





هناك تعليقان (2):

  1. قصة رائعة وجميلة وبنفس الوقت مشرفة .تحياتى الك شاعرنا الرائع حماك الله يا ابن بلدى الاصيل
    ما اروعك يا عراق يا مصنع الرجال
    تحياتى الك يا ابنت العراق الاصيل . دز شذى احمد العزيزة
    شكرا جزيلا

    ردحذف
  2. كثيرة هي القصص التي عشناها ايام الحرب،اغلبها يعود للكوميديا الآلهية،رأينا احبابا واصدقاءا يغادرون بلا وداع فقد كانوا للتو على مائدة الطعام.
    قذرة هي الحروب بكل اطرافها
    لن ينفع العراق الا عراقيون بلا اية ارتباطات جانبية او خارجية،ومن يتواجد اليوم فلن يكون غدا،كما كان السابقون،ذهبوا وبفي العراق بجروحه التي ستشفى عاجلا ام آجلا.
    تحياتي لك وللأخ منذر المحترم،وان كان قد خرج حيا من تلك،فأني لازلت احمل شظايا القنبلة داخل جسدي اتحسسها كل يوم.

    ردحذف

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

-----
Share |
------