------------ --------
Share |

هل يطيل نور الشمعة العمر



لوحة للفنان صادق طعمة


خمسون سنة خلفهما وبينهما .. أمضياها بكل الهموم التي يتعرض لها البشر. قالا للسائل أنهما مختلفان بالكثير. مختلفان بالاهتمامات. مهتمان بطريقة تربية أبنائهما الثلاثة. هي فنانة بكل تفاصيل الكلمة رسامة تعشق الفن واللون. وهو مهندس يعرف الرقم والمسطرة والنظريات العلمية. لكنهما زوجان . لا خلاف في ذلك . تحدثا عما ينقص عالمنا اليوم . الوفاء.. المواصلة ..والصبر وكل ملحقاتها. لم يمضيا معا خمسين سنة لأنهما كانا يعيشان باختصار الجملة بالأساطير تزوجا ورزقا بالأطفال وعاشا معا حياة هنيئة إلى أن جاءهما هادم اللذات ومفرق الجماعات. لا بل عرفا الأزمنة الصعبة. الاختلافات الحادة . والنهايات المخيفة التي قد تمر بها علاقة الزوجين في بعض الأحيان فلا يلوح في الأفق أي بوادر للانفراج فيغرق المركب.

من طريف معالجتهما للأمر أنهما ظلا على الدوام يبحثان عن وسيلة لحل النزاع بالبداية ابتكرا الصمت. فان احتد النزاع كانا يلجأن إلى الصمت حتى يهدأ كل منهما من روعه ثم يعودان للحديث لكن هذا لم يحل المشاكل في أحيان كثيرة. فابتكرا طريقة أخرى هو أن يوقد احدهما شمعة يخبر صاحبه بها استعداده للنقاش وتفهم وجهة نظره فيجيبه الأخر عندما يكون مستعدا بان يوقد الشمعة الأخرى ويبدأن بالحديث عن مشكلتهما. روت الزوجة أنها كانت في شجار مع الزوج في أحدى الأمسيات ذهبا إلى الفراش وظلا يتقلبان سوية لا احد يحدث الأخر. وكل منهما يعرف أن عليه الحديث فالهم يمنعه من النوم والاسترخاء. فما كان عليه إلا النهوض من فراشه وأدار مفتاح الضوء وهو يقول للزوجة : هذه هي شمعتي أوقدتها تعالي لنتحدث.

شمعة لا يطول عمرها الافتراضي عن ساعة أو بضع ساعات في أحسن الاحتمالات استطاعت أن تمد بالحياة الزوجية لما يزيد عن الخمسين سنة.

خمسون سنة لم يتنازل أيا منهما عن هواياته وطبائعه للأخر. لم يتخلى أيا منهما عما يحب عمله. لم يمنعهما الاختلاف من أن ينسجمان كزوجين . ويفيان بالعهد الذي قطعاه على نفسيهما يوم عقد القران.. بان يظلا وفيان لبعضهما إلى الممات.

في السابق كانوا يقولون بدل أن تلعن الظلام أوقد شمعة. كلنا تعلمنا إن الشموع لتبديد الخلاف وهذان الزوجان أضافا لعذوبتها وشاعريتها معنا جديد . لفض النزاعات. لإنهاء الخلافات. أن توقد شمعة يعني انك مستعد للجلوس إلى طاولة المفاوضات والحديث عن المشكلة والاستماع لوجهة النظر المغايرة. وإنهاء الصراع.

لو سمع كل الأزواج هذه القصة . لو تمكنت النساء من الصبر . والرجال أدركوا معنى أن يمنحوا أنفسهم وشركاتهم فرصة الحديث والمناقشة لتبديدت غيوم الاختلاف والشجار . كم من البيوت كانت ستصلح ، كم من الزيجات كانت ستنقذ.
الحديث للزوجات والأزواج المتحضرين الذين يؤمنون بأنهم وشركائهم يسيرون بخط واحد . وان عليهم حماية خياراتهم.

ولو أطلقنا العنان لأحلامنا هل يمكن أن نحلم في يوم من الأيام أن يجلس السياسيون مع خصومهم ويوقدوا شمعة لكي ينقذوا ما يمكن إنقاذه . ودفع مسيرة الحياة للأمام.

هل نحلم بان هذا يحصل في البلاد التي يسخر منها العالم المتقدم ومن نظم حكمها فيوقد حاكمها شمعة يتحدث بها مع شعبه ويسأله إن كان سعيدا بحكمه آم أن عليه دخول التاريخ من أوسع أبوابه عندما يساهم في تغيير القوانين البالية وإعطاء الآخرين فرصة إدارة الأمور التي عجز عن إدارتها . لكي يذكر الناس نزاهته وعفته . وشرفه . حتى وان كان قد اخفق في الإدارة.
هل هذا صعب. مستحيل . عمر الشمعة قصير ربما لكنها كانت سببا في أمتداد عمر زيجة يحلم ملايين بان تكون زيجتهم.

لا تنسى ان توقد شمعة لمن تحب


هناك تعليقان (2):

  1. الحب ، التسامح ، الصبر ..شموع تضيئ البيوت وبدونها تصبح مظلمه .
    عودها أن يناديها شمعة حياتي ..وعودته أن تكون خير من يستمع اليه بحب ، أول من يفرح لفرحه ونجاحه . جعلت من سعادته ورضاه هدف مهم تعمل من أجله فأصبحت النور الذي لايستغني عنه ..يقرأ عينيها .. فلاحاجة أن تقول شيئ لمن يسكن روحها .
    تعودت بعض الأمهات في المجتمعات الشرقيه أعطاء دروس للبنات قبل الزواج .. عليكِ أن لاتتساهلي معه ، راقبيه وكوني على دراية بمافي جيبه ، أقطعي كل علاقة له بأهله والمقربين له .. عوديه أن تكون الكلمة المسموعه لكِ فأنتِ دائماً على حق ، لهذا يشعر بعض الرجال أو بعض النساء أن بيوتهم ليست أكثر من صوره مصغره للمجتمع الذي يعيشون فيه بكل مافيه من تسلط وظلم وغياب ثقافة أحترام حق الآخر .
    أغلب السياسيين في الدول صاحبة التجارب الديمقراطيه العريقه يعتبرون أن العمل السياسي يمثل مرحله من حياتهم قد تنتهي بقرار شخصي لهذا السياسي أو الحاكم فيقرر الأستقاله أو يحترم أرادة ناخب رفضه . في مجتمعاتنا الوقت جداً مبكر لنتحدث عن هذه الحاله المتقدمه جداً ..
    شكراً لموضوعكِ الرائع صديقتي
    تحياتي

    ردحذف
  2. مازن البلداوي11 يناير 2011 في 7:45 م

    طاب يومك ايتها الصديقة
    كالعادة...يتجلّى شراع ابحارك في بحر الأنسانية فييلوح للناظر من على ساحلها ان هنالك من يبحر في هذا البحر وعليه اما ان يرافق المبحر او ان يبدأ هو ابحاره بنفسه كي تنتعش اساري نفسه المتألمة ببعده عن هذا البحر ومايحتويه.
    شمعة قد أضيئت واخرى بعدها،ولولا قولك انهما تعاهدا عندد القران على ان يفيا لبعضهما الى الممات،لقلت بانك قد عرفت احد اصدقائي المقربين وكتبت عن شموعه وشموع زوجته.
    وتساءلت هل من الصعب على رئيس دولة ان يفعل مثلهما؟ اقول....لا،قطعا انه ليس صعبا،وان فعل هذا فانه سيرتق فتقا قد احدثه الحاكمون قبله،الا ان الكارثة انهم لايجرؤن،خوفا من السماء وآلهتهانولا ادري مهذه الألهة التي تقبل ان تستباح كرامة من خلقته حسب قولهم،فلا اجد لهم من قولهم لأفعالهم طبقا.
    ماهو الحب وماهي الحكمة وماهو العدل والأنسانية،هل لهذه الكلمات من قواميس؟ان كان هناك منها فلعلها قليلة، فلنستزيد من طباعة نسخها ونوزعها على الأرواح الهائمة في جوف الشر المقيت،كي تنير لهم الطريق،ها هي شموعنا ولانملك غيرها.
    تحياتي

    ردحذف

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

-----
Share |
------