كلنا بالموت سواسية
كلنا بالموت سواسية
هاهي الساعة ترن الواحدة من صباح اليوم الأول لسنة2011. نشرة الأخبار. لم تعد التهاني والكلمات الرقيقة تتصدر النشرة. لم تعد روائع عقل الإنسان وإبداعاته ورغباته في المرور من عنق الزجاجة إلى فضاء الأمل الأرحب تتنافس للصدارة. ليس هناك أرقاما جديدة تسجل لأعلى وأجمل الألعاب التي زينت سماء هذا البلد أو ذاك لا ..لا هذا ولا ذاك . قالت المذيعة بصورتها الآلي الخالي من كل تعبير أن هناك إحصائية مفجعة لعدد من الأقباط سقطوا قتلى في تفجير انتحاري لكنيستهم في الإسكندرية.
لم يعد مشهد الموت مؤثرا. منذ سنوات لم تعد هذه الأخبار تثير شهية الدهشة خصوصا إن كانت قادمة من البلاد العربية أم الإسلامية .
ولا نبأ يزعج العالَمَ المتمدِّن،
فالزَمَنُ البربريُّ انتهى.
والضحيَّةُ مجهولَةُ الاسم، عاديّةٌ،
والضحيَّةُ ـ مثل الحقيقة ـ نسبيَّةٌ الخ ... الخ ف
لكن رغم ذاك فلأولئك الذين يصمتون صمتا مريبا. أولئك الذين يتحجر بهم الإحساس. أولئك الذين يهزون رؤوسهم برتابة. أولئك الذين يقولون إن الأمر نفسه يحصل مع المسلمين في مكان أخر. لأولئك الذين يطربون سرا. أولئك الذين يتبلدون سرا وجهرا. يتغابون عن قصد ودون قصد عن خطر ما يحصل . إنها البداية المريرة لجرح يغور ولا يتوقف. جرح قد لا يخيفك اليوم ولا يقلقك . فلا تبحث عن الآلة المسمومة أكانت خنجرا أم نصل سيف أم مثقب مسنون أم أي آلة دمار للهدوء بالعالم أحدثه. لا يعنيك لأنك بعيدا بعض الشيء. لكن المسيحي الذي يسقط هنا يؤجج نار حقد دفين في بقعة أخرى من الأرض. الإنسان الذي تنتزع منه الحياة بوحشية وقسوة في يوم عيد يخلف موته ثأرا عنيدا في نفوس تنسيها سلبيتك تسامحها . فاحذر الأسوأ قادم ، وقد يأتي بأسرع مما تظن.
هناك في المكان الذي تشكل به أقلية بطائفتك أو مذهبك أو دينك من سوف يوغل صدرهم تعاملك مع معاناة شركائهم في العقيدة . تماما مثلما فعل المصريون المسلمون في قضية الشربيني ومقتلها رغم أنها كان تصرفا فرديا ولم تكن هي نفسها قد أحسنت التصرف بل استفزت قاتلها. ومثل كل القضايا التي تخرج مزبدا ومرعدا من اجلها. عندما تصمت عن مقتل نصف شركاءك في العقيدة إذا ما كنت سنيا أو شيعيا وتعاطيك مع قتلى كل فريق فلا تنتظر من ينتصر لك ويدافع عنك لأنك سننت الصمت واللامبالاة قانونا للتعامل مع الموت وتجاره وسماسرته . لا تنتظر من السماء ملائكة تحارب نيابة عنك وتطفئ بنورها نار الفتنة التي تستعر أوارها هنا وهناك. لا تنتظر وأنت تصفق طربا لمجموعة مارقة عن المجتمع الإنساني مهووسة بالجنس تعاني الكبت الدائم وتحلم بالجائزة لا تنتظر الحل. وقتها سوف لن يتسع لك من القواميس إلا مصطلحا واحدا شهيد
شهيدُ يُوَضِّحُ لي: لم أفتِّشْ وراء المدى
عن عذارى الخلود، فإني أُحبُّ الحياةَ
علي الأرض، بين الصُنَوْبرِ والتين،
لكنني ما استطعتُ إليها سبيلاً، ففتَّشْتُ
عنها بآخر ما أملكُ: الدمِ في جَسَدِ اللازوردْ.
لا تنتظر منها ـ الجماعة الإرهابية ـ عزلك عزلا صحيا في حافلة أو قطار أو بناية تأتي لنسفها فتسير إلى جانب الجناة في العالم الأخر تستشيط غضبا لأنك لم تنجر ما وعدت نفسك على انجازه في هذا العالم.
تذكر وأنت تصمت إن من ماتوا كانت لهم أحلاما تشبه أحلامك. وأنهم ولدوا ليكونوا على مذهب أبائهم. قد يكون البعض منهم متمسكا بتعاليم دينه يريد أن يصبح مثل الشفق شفيفا ويحاكي ربه كل ساعة. وأخر يريد الذهاب لانجاز بحث أو تكملة اختراع أو زراعة حقل أو جني محصول. أو قطف قبلة من فم حبيبة انتظرها متعففا حتى حان موعد زفافه منها فلما حان قتلوه فسال دمه حارا
قالت امرأة للسحابة: غطِّي حبيبي
فإنَّ ثيابي مُبَلَّلةٌ بدَمِهْ
هل تملك ردا عليها . ستقول ما بيدي . ما شأني . ما حيلتي. كل التعصب واستشراء البعض والتعصب سببه سكوتك . سلبيتك . صمتك. وتباهيك بأنك الأقوى هنا وتنسى انك الأضعف عندما يفكر بك من هناك. كيف تفكر بعزيزك الذي يخطفه الموت في العيد فبدلا من تبادل الضحكات والتهاني تتبادل مع أهله كلمات التعازي والأسى على فراقه. فكر بان من يقتل يخلف في الأحياء شعورا عارما بالحزن واللوعة قد تتحول بدورها إلى نصل لا يعرف الرحمة. كن صوتا صارخا بوجه الموت والإرهاب.. ليس ذلك عليك بصعب لو حسبت لحياتك قيمة كبيرة .
فأجاب: على الحلم أن يرشد الحالمين
كما الوحي /
ثم تنهد: خذ بيدي أيها المستحيل!
وغاب كما تتمنى الأساطير /
لم ينتصرْ ليموت، ولم ينكسرْ ليعيش
فخذْ بيدينا معاً، أيها المستحيل !
اما ان كنت تنشد فردوس الحواري الذي يفجر الإرهابيون من اجله أنفسهم. فلا ألومك لان بعض الداء لا يمكن علاجه إذا ما استفحل في كل خلايا حامله.
ملاحظة: جميع الأشعار المتضمنة للشاعر محمود درويش
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.