حياتهن تذوي مشتعلة
يأتي الحديث عن ظواهر و مآسي في مجتمعاتنا فيتم تناولها كل مرة بصورة تقريرية يمر عليها القلم ثم القارئ وتحفظ في ملف اطلعت. لكنها تتطلب في أحيان كثيرة القرار الحاسم والموقف الصلب في التعامل معها ومعالجتها
من صور الاضطهاد والقهر التي تتعرض لها المرأة في العراق ظاهرة في غاية البؤس مخلفة إحصائيات مرعبة في بلد يعيش الألفية الثالثة.
عاد اليوم الى الواجهة موضوع قديم جديد وهو انتحار النساء بالعراق وخصوصا في كردستان. والموضوع الذي أفاضت به بحكم نشاطها ومتابعتها الميدانية الزميلة بيان صالح وفصلت ظروفه كما يمكن للقارئ الاطلاع على تفاصيله
في موضوعي الكاتبة المنشورين في الحوار المتمدن الاول بعنوان ..( فكرة الخط الساخن)، والثاني هو .. (انتحار المرأة الكردية حرقا بالنار ).
حيث بينت بالأول مشاهداتها الميدانية لواقع المرأة العراقية عموما والكردية على وجه الخصوص في محافظات كردستان العراق. ويطلع القارئ تحت العنوان الثاني (انتحار المرأة الكردية) على أرقام مرعبة ومخيفة فيتساءل ما هو نصيب المرأة في كل المتغيرات السياسية والاقتصادية ؟. ما دام الموت والدمار والتهميش والإهانة نصيبها في أي مكان تكون فيه في المجتمع الشرقي بغض النظر عن كونه عربيا ام كرديا . هل من حل لهذه الظواهر المخزية التي لا تليق بمجتمعات تملك ابسط مقومات التحضر فكيف بها تدعي الحضارة والعمران. التقارير الأخيرة تقول ان هناك امرأة تحترق كل 20 ساعة في مناطق كردستان العراق . كأنها شمعة توقد في ظلام تخلفنا وعجزنا عن تحقيق العدالة الاجتماعية والإنسانية.
اذا كان هذا حالها قبل صعود التيارات الإسلامية المتشددة فكيف ستكون عليه بعد توليها الحكم وحجرها على المرأة وتطبيق قوانين غاية في الصرامة والقهر. رجال الدين يفقهون ويفتون ليل نهار بكل ما يعزز كراهية الرجل للمرأة واحتقارها وتحجيم دورها وانزوائها. فكيف سيكون الحال عليه والسلطة بأيديهم.
الى متى والى أي زمن منظور وغير منظور تظل الأعراف السائدة التي تربت على يد الجناة والقتلة وهم يزهقون أرواح النساء بلا وجه حق مسلحين بشرعية امتلاكهن وورثهن كملكية خاصة ،وله مطلق الحرية في إبقائها على قيد الحياة ام قتلها متى شاء.
الى متى تبقى همومها ومشاكلها لا تشكل أي أهمية في البرنامج السياسي بينما تتعالى الأصوات وتقام الحروب ليتنازعوا فيها على أماكن السلطة والنفوذ.
عندما قرأت مقالة الزميلة بيان الأولى شعرت بالمرارة الكبيرة فكتبت أتساءل في مقال منشور في موقع الحوار المتمدن تحت عنوان... (انه لا يحب أمه)
تساءلت اذا ما كان الرجل حقا يحب أمه التي ولدته وعدت لما سمعت أصوات بعض المثقفين التي تطالب المرأة بالتصريح والمطالبة بحقوقها.. وكونها أفضل من يعبر عن احتياجاتها ومعاناتها... عدت لأقول بان فضح الممارسات المستبدة بحق المرأة ليس مهمة المرأة وحدها بل هي مهمة الرجل الواعي. من يعينها على الوقوف وهي تعيش قهرا اجتماعيا واقتصاديا ونفسيا واسريا. وقبله تربويا يتلخص في نشأتها السلبية الخانعة والتي تتعمد تخويفها وإجبارها على السكوت بحجة حماية التقاليد والعادات والحفاظ عليها . فتقهر وتغتصب وتقتل او تحرق وتوارى التراب وهي صامتة . وكان ذلك في مقال أخر تحت عنوان (ستصرخ… ساعدها على الولادة). وأيضا يمكن القارئ الكريم الاطلاع عليه في موقع الحوار المتمدن.
قد لا تسمعنا الكثير من النسوة المضطهدات او اللواتي لم يؤتين نصيبا من التعليم للتعبير عن مشاكلهن. والاهم ربما يتوفر لها هذا لكن لاتتوفر الجهة الرسمية التي تحمي حقوق المرأة وتدافع عنها وتتبناها بجدية .
لا زالت المرأة ومعاناتها ، وقتلها وغسل العار وما يرافقه من مفردات قبلية تؤكد تسلط الرجل وامتهانه لحياتها وكراماتها ما زالت لا تشكل أي أولوية في أي برنامج سياسي ولا يتناوله أي حزب من الأحزاب بجدية سوى المرور به مرور الكرام في الحملات الانتخابية وبشعارات فضفاضة لا تؤدي الى نتائج ملموسة ولا تعالج داء.
الكثير لتفعله لتمنح مجتمعك وجهه الإنساني وتحارب سطوة الموروث البالي الذي يدفع أمك وأختك وابنتك الى أن تذوب كل يوم كالشمعة لكن احتراقها لا يجلي ظلام مجتمعاتنا الدامس ولا يقوده الى النور . فهل ترضى بهذا القهر الذي يبقى مثل أمواج البحر يتصدر صفحات الأعلام بين الحين والأخر لكن لا حل ناجع له. لان لا احد يريد تحمل المسؤولية والنهوض حقا بواقع المرأة