ياريت لو يحكمنا حقير
كلما تحدث حاكم او مسؤول في دولة عربية وبالعراق تحديدا علل سبب اخفاقه واخفاق حكومته لعوامل خارجية . لقد حكم العراق لما يزيد عن ثلاثين سنة القائد الضرورة واجج نيران حرب مستعرة لم تكن ضرورية بل في احسن الظروف كان يمكن التعامل معها بحكمة واخماد نارها لكن لا .. فهناك الامجاد التي ستجنى والسيرة التي تغنى وحال الاخرين ليس بافضل من حال العراق فمن تبعه راح يعلل سبب اخفاقه وفشله بعوامل خارج عن سيطرته وكانه موظف جباية الضرائب وليس مسؤولا عليه ايجاد حلول لمعضلات البلد واولها الامنية قبل السياسية والاقتصادية . فالاطراف الدينية اخرجت لنا تسميات التكفيريين البعثيين المخربين ال.. هذه لا نهاية لها كل نشرة اخبار وقدرتها على التواصل ونفسها الطويل. والجماعات الحزبية السياسية اخرجت لنا المعممين السلفيين المتخلفين ال..وبدورها النعوت لانهاية لها . وبقي الحال على ما هو عليه منذ ما يزيد عن الثمان سنوات من سيء نحو الاسوء من تفكك وتخريب وتخبط نحو ضياع وتشرذم . وبقي القتل والاقصاء والفساد هي المفردات المتحكمة على مسرح الاحداث لا العقل والحكمة والمدنية والتفكير في الخروج من الازمة بحلول ناجعة. قرأت قصة ارسلتها لي صديقتي الغالية ابتسام التي لا تبخل علي بكل رائع عن كاتب تركي قدير بعنوان الحقير.. بعد قراءتها وددت ان اشرككم بها مع ملاحظة صغيرة ان اذنتم لي متفضلين هي ان ارفق برسالتي هذه امنية صغيرة بان يأتي يوما للعراق حقيرا مثل هذا ليحكمنا وعندها سنرسل عنه الشكاوى والتذمر لكل هيئات الامم ودول الجوار وغير الجوار ونرفع رؤوسنا ونخفضها بالتقية المشروعة دعاءا عليه!! .. المهم ان يأتي هذا الحقير ليحكمنا .. اليكم نص القصة للمبدع القاص عزيز نسين وهو روائي وكاتب مسرحي تركي ولد عام 1915 وتوفى عام1995
هذه القصة تدور حول رجل ذهب إلى قرية من القرى التركية النائية, وعندما وصل إلى القرية, استقل سيارة ليتنزه, وبينما هو في نزهته لفت نظره بيتا جميلا من طابق واحد وقد تجمهر حوله عدد كبير من رجال ونساء وأطفال القرية. . فقال للسائق بيت من هذا؟ فوجد السائق يتذمر ويقول: بيت الزفت السافل ربنا ياخده!! إنه الرجل الذي أرسلته الحكومة ليرعى شئون القرية . . فقال الرجل: وما أسمه؟ . . فقال السائق: ليذهب إلى الجحيم هو وأسمه . . إننا ننعته بالرجل السافل الحقير .. . سافل بمعنى الكلمة. وأندهش الرجل, فهو يعلم أن السائق رجل طيب وعلى خلق فكيف ينعت الرجل هكذا بأبشع الصفات!.
وفي مساء نفس اليوم, جلس الرجل في المقهى الرئيسي للقرية وتحدث مع صاحب المقهى قائلا: ما رأيك في الرجل الموظف الذي يرعى شئون قريتكم؟ . . فبصق صاحب المقهى وقال: سافل حقير. . قال الرجل بفضول: لماذا؟ . . قال له: أرجوك, لا تفتح سيرة هذا الرجل إنه حقير حقير حقير, لا تعكنن مزاجي في هذه الأمسية بهذا السافل.
وظل الرجل يسأل كل من قابله من أهل القرية نفس السؤال, ولا يتلقى سوى نفس الإجابة (الحقير المنحط أسفل السافلين).
عندها قرر الرجل زيارة هذا الموظف في بيته ليرى عن قرب ماذا يفعل لأهل القرية حتى وصفوه بكل هذه الأوصاف. ودخل إلى بيته رغم تحذير السائق, فوجد الرجل واقفا وأمامه فلاح يسيل الدم من قدميه الحافيتين والرجل يضمد له جروحه ويعالجه ويمسح الجروح بالقطن وبجواره ممرضته والتي كانت تعمل بكل همة مع الرجل لتطبيب ذلك الفلاح. أندهش الرجل وسأله: أأنت طبيب؟ فقال له لا. ثم دخلت بعد الفلاح فلاحة شابة تحمل طفلا أعطته إياه, فخلع الرجل ملابس الطفل وصرخ في أمه: كيف تتركي طفلك هكذا, لقد تعفن المسكين. ثم بدأ بغسل الطفل ولم يأنف بالرغم من رائحته الكريهة وأخذ يرش عليه بعض البودرة بحنان دافق وهو يدلل الطفل. ثم جاء بعد ذلك أحد الفلاحين يستشيره في أمر متعلق بزراعة أرضه, فقدم له شرحاً وافيا لأفضل الطرق الزراعية التي تناسب أرض ذلك الفلاح. . ثم أنفرد بأحد الفلاحين, ودس في يده نقوداً وكان الفلاح يبكي وحينما حاول أن يقبل يده صرفه بسرعه وقال: المسألة ليست في العلاج فقط, الطعام الجيد مهم جداً. بعد ذلك جلست مع هذا الرجل وأحضرت ممرضته, والتي هي زوجته, الشاي وجلسنا نتحدث- فلم أجد شخصاً أرق أو أكثر منه ثقافةً ومودةً وحناناً.
وعاد الرجل ليركب سيارته وقال للسائق: لقد قلت لي أن هذا الرجل سافلً . . ولكنني قابلته هو وزوجته ووجدتهما ملاكين حقيقيين, فما السيئ فيهما ؟! قال السائق: آه لو تعرف أي نوع من السفلة هما؟! قال الرجل في غيظ: لماذا؟! قال السائق: قلت لك سافل يعني سافل وأغلق هذا الموضوع من فضلك.
هنا جن جنون الرجل وذهب إلى محامي القرية وأكبر مثقفيها, وسأله:
هل ذلك الموظف المسئول عن القرية يسرق؟! فأجابه المحامي: لا يمكن, إنه هو وزوجته من أغنى العائلات . . وهل في هذه القرية ما يسرق؟! فسأل الرجل: هل تعطلت الهواتف في القرية بسببه؟! فقال المحامي: كانت الهواتف كلها معطلة, ومنذ أن جاء هذا الحقير تم إصلاحها واشتغلت كلها . . فاستشاط الرجل في غيظ وقال للمحامي: طالما أن أهل القرية يكرهونه ويرونه سافلاً هكذا لماذا لا يشكونه للمسؤولين؟! فأخرج المحامي دوسيهاً ممتلأً وقال: تفضل . . أنظر . . آلاف الشكاوى أُرسلت فيه ولكن لم يتم نقله وسيظل هذا السافل كاتماً على أنفاسنا.
قرر الرجل أن يترك القرية بعد أن كاد عقله يختل ولم يعد يفهم شيئا.ً وعند الرحيل, كان المحامي في وداعه عند المحطة. وهنا قال المحامي بعد أن وثق بالرجل وتأكد من رحيله: هناك شيئ أود أن أخبرك به قبل رحيلك .
لقد أدركت أنا وأهل القرية جميعاً من خلال تجاربنا مع الحكومة . . إنهم عندما يرسلون إلينا موظفا عموميا جيدا ونرتاح إليه ويرتاح إلينا تبادر الدولة فورا بترحيله من قريتنا بالرغم من تمسكنا به . . وأنه كلما كثرت شكاوى أهل القرية وكراهيتهم لموظف عمومي كلما احتفظ المسئولون به . . ولذا فنحن جميعاً قد اتفقنا على أن نسب هذا الموظف وننعته بأبشع الصفات حتى يظل معنا لأطول فترة ممكنه, ولذا فنحن نعلن رفضنا له ولسفالته, ونرسل عرائض وشكاوى ليبعدوه عن القرية . . وبهذا الشكل تمكنا من إبقائه عندنا أربعة أعوام . . آه . . لو تمكنا من أن نوفق في إبقائه أربعة أعوام أخرى, ستصبح قريتنا جنة.
شذى احمد
shathaah@maktoob.com
العدد: 3013 - 2010 / 5 / 23
المحور: المجتمع المدني
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.