مازالت الاخبار تتناقل بملحة الخبر الذي مفاده بان الدوما (البرلمان الروسي) تريد اقرار قانون تقدم به نائبها (فلاديمير جيرينوفسكي)يقضي بتشريع قانون تعدد الزوجات وان القرار رفع الى الرئيس الروسي ميدفيدف ولاقى القبول من جانبه على ذمة المصادر التي نقلت الخبر. هذا القانون الذي قدم للبرلمان الروسي عام 2002 وظل صاحبه يتابعه من وقتذاك ...والذي طلب فيه ياللسخرية ان تحدد عدد الزوجات باربعة!!!.مما دفع المسلمون المتحمسون لهذه الممارسات بالتهليل والتصريخ بان الاسلام هو الحل في روسيا لا بل كل العالم لان به حلا" لمشاكله المستعصية ..
في البداية اغضبني هذا السقوط الشاقولي المخيف لدولة كانت لزمن قريب الدولة العظمى الثانية في العالم ، وتصدرت انجازاتها في مختلف الميادين احداث العالم. فلم تترك حقلا" من حقول المعرفة الا وكان لها فيه الريادة من ركوب الصعب في الفضاء والتحليق في مجاهله الى الابداعات الفنية والادبية حيث يتقدم الادباء الروس والفنانبن على كثير من الادباء العالمين بل يكاد احدهم يكون انموذجا" في فن كتابة القصة والرواية والشعر ، وعندما يحتدم النقاش بالريشة والالوان يشاكس شاغال المتحدثين والمتجادلين بعرائسه وخيالاته وفقدان الجاذبية فوق سطح لوحاته وتتحول صوره الى بصمات حية لعالم احلامنا غير المدون.
وفي الرياضة تلك الالعاب التي تعكس مدى قدرة الامم على النهوض بالمجتمع الصحي السليم وتعكس انجازاته الرائعة لطالما كان لروسيا التي ضمت تحت جناحها عديد الدول صولات وجولات حتى كانت متعة الجماهير العريضة في العالم ليس متابعة الالعاب الالمبية بالتحديد واداء الرياضين وانجازاتهم الباهرة فحسب بل التمتع برؤية تلك الجداول التي يسطر بها الروس اروع الانجازات منافسين العم سام ومضيقين الخناق على موفوديه في تلك الدورات وانتزاع الفوز منهم مرة بعد اخرى.
وفي استعراضاتهم الرياضية الجماهيرية اوجد الروس فنونا" كانت قدوة تحتذى بها في كل بقاع العالم فصارت تشكل اللوحات الاستعراضية المذهلة التي تعكس الكثير من الامور منها الانضباط التي تتمتع به الشبيبة والالتزام وحب الرياضة وممارستها بالطبع ثم حب الروح الجماعية وتعزيز القيم الاجتماعية والتربوية في المجتمع بانشاء جيل معافى من الامراض قادر على تحمل اعباء الحياة والتأثير فيها وفق ما تربى عليه من مبادئ صحيحة وسليمة.
وسقط الاتحاد السوفيتي وتفتت صخرة بناءه المتماسكة على حين غرة ويقول المعنيين بالسياسة ودهاقنتها بانه عمل العم سام الدؤوب والمتواصل بالتخلص من خصمه اللدود والنجاح الباهر الذي يحسب لهّ.
فهل حقا" انتصر الغرب برأس امبراطوريته الامريكية على الخصم الروسي او السوفيتي وقلم اظافره ونام قرير العين يتمتع بالراحة والأمان.
كل الاحداث تقول عكس ذلك فروسيا التي ورثت القنبلة النووية وورثت تركة ثقيلة من مجد الدولة العظمى وصاحبة القرار النافذ في المجتمع الانساني لم تقبل بهزيمتها ابدا" وما لبثت ان انتفضت عندما امتطى صهوة جوادها في الميدان رجل هادي كتوم تاريخة المخابراتي يشي ولا يشي بشئ!. واعاد بعملة المتواصل وصخب احلامه الهيبة الى بلاده وراح بابتسامته الموناليزية الغامضة يلاعب القوى العظمى التي اصبحت متحكمة اليوم في مصير الامم والشعوب.
رجع الكل يخاف روسيا ويحسب لها من جديد الف حساب على الرغم من مشاكلها الداخلية المتعددة ، ومنها تناقص عدد ساكنيها وانخفاض نسبة المواليد . وهذا ما افرح فارسها وهو يصول ويجول كما يشاء فمرة يقمع الثائرين في الشيشان واخرى تدك دباباته ومدافعه مدن مناؤيه والعالم الغربي في اوربا وبلاد العم سام لا يمكنه ان يكشر عن انيابه لان روسيا ليست بلدا" عربيا" مغلوب على امره يمكنها ان تدك مدنها على رأس ساكنيها وحكام دول اخواتها يهللون او يسنكرون بعروضات اعلامية مملة وفارغة . لا هذه روسيا النووية والدب الذي ما استطاع احد تقليم اظافره. فتاره بالنقاشات واخرى بالتوسلات وثالثة بالتنازلات ورابعة بالموافقة على شروطها التي تمس ادق خصوصيات اتحاد قدير مثل الاتحاد الاوربي تتنازل تلك الدول طائعة ومضطرة عن مشاريعها ارضاءا" لموسكو عندما تغضب.
روسيا اليوم المضطربة والمرتبكة الانتماء بين ماضي شيوعي قريب وصحوة مفاجئة للانتماءات الدينية والكنيسة الارثودوكسية المستقلة عن الكنيسة الاوربية تبدو كمن يتعثر في الظلام لا تعرف الى اين المسير . مازالت روسيا تعامل خصومها بالنار والحديد كسالف عصرها في زمن القياصرة والشيوعية وترفض التمرد وتقمع الحريات وتصفي المنتقدين جسديا". روسيا هذه التي استلم قيادتها الصورية رئيس كان صناعة بوتينية محضة حيث تابع بوتين الرجل الاقوى في روسيا كل عوامل نشاءته واوكل اليه بارادته الدور الاول في الدولة وابقى ما عداه طوع بنانه. هذا الرئيس الصامت كذلك والذي لم يظهر مواهب مميزة في ادارة الامور او ادارة دفه الحكم في البلاد وانما اكد ويؤكد كل يوم بانه موظف مخلص في مكتب فلاديمير بوتن لادارة دولة نووية كبرى. فيذهب مع زوجته الى الكنيسة في اعياد الميلاد كما يفعل الاب بوتين ويؤدي الطقوس الكنسية بكل احترام كمسيحي كما هو مطلوب منه. ولان نظام الحكم بروسيا يتسم بالخصوصية فنحن لم نسمعة يوما" يعلق على مسألة تخص الحياة العامة او الاسرة او عدد مرات زيارته للكنيسة او اي من المواضيع التي تجعل الرأي العام يقترب من رسم صورة عنه وعن حقيقة إيمانه كما تفعل الصحافة في امريكا حيث يكون الرئيس تحت مجهرها من ساعة دخوله البيت الابيض حتى مغادرته له.
لذا فان الرد الايجابي للرئيس الروسي ميدفديف على الاقتراح المتضمن سن قانون يجيز تعدد الزوجات تحت ذريعة الحد من الكارثة الانسانية المحتملة التي قد تواجهها روسيا في الاعوام القادمة بسبب قلة الانجاب وتناقص اعداد الروس يدل على ان الرجل لا يعرف ولا يعير اي اهمية لديانته المسيحية التي تؤمن ايمانا" قاطعا" بان الزواج رباط مقدس بين امرأة واحدة ورجل واحد ولا يمكنه ان يتفكك لاي من الاسباب.فهل رئيس دولة مثله بغافل عن حقيقة كهذه.؟
ربما الجواب لا وربما الجواب امرا" اخر اشد أهمية ان روسيا" تعتبر الدين جزءا" من تراثها الفكري والاجتماعي تحيه كما تحي الاحتفال باي من المناسبات الاخر بدون ان يكون له سطوة على الحياة العامة لها.ان كان الامر كذلك فعليها ان تعرف انها قادمة على مطب لا يوجد ما هو اكثر منه كارثية ودمار لمستقبلها اذا ما اقرت قانونا" شاذا" منحرفا" كهذا . انه قانون بلا لف ودوران اسلامي بحت وسوف يهلل له الاسلاميون في كل ارجاء الارض ويطرب لسماعه ويستشهد به الأئمة والشيوخ والمراجع والدعاة وكل من له علاقة باحد المشاريع الاسلامية من الاخوة والاخوات المسلمين والمسلمات الذين تصدح حناجرهم طول الوقت بضرورة تطبق الشريعة الاسلامية السمحاء والعودة لاحكامها السماوية العادلة.
وباقرار روسيا الدولة النووية التي ما فتئت تحاول تصحيح مسارها والنهوض من كبوتها والعمل على اللحاق بركب المتقدمين الذي لم تخرج منه باي حال من الاحول . باقرارها هذا فانها تفتح شهية الاسلامين في احضانها قبل أولئك الذين يتربصون خارج اراضيها تفتح شهيتهم لمزيد من الاسلمة لروسيا وقوانينها. لتصبح روسيا كلها ربما الشيشان الذي تعذر عليهم اقتطاعه او انتزاعه من بين مخالب الدب الروسي .
وماذا ستجني روسيا من ذلك بعد ان يلتفت اليها الاسلاميون والطلبانيون المطالبون بحكم العالم لتكون في ارجائها معاقلهم ويستميلون مسلميها لطروحاتهم التي يسيل لها لعاب المتعصبين او المهيئين للتطرف.ماهي الفائدة التي ستعم روسيا عندما تنتشر الخلايا الاسلامية في روسيا التي تسن قوانين الشريعة الاسلامية والتي تمني دعاة الاسلام الحالمين بدولة اسلامية تحكم العالم وتنتشله من ضياعه الى نور الاسلام وهدايته وعدالته كما كان في زمن الخلفاء الراشدين والدولتين الاسلاميتين الاموية والعباسية . انتهاءا" بما خلفته الدولة العثمانية من حضارة وعدل وانصاف ومساواة في كل ارجاء الدول التي كانت تحت سيطرتها حتى كان الخليفة العثماني يمر باوقات عصيبة واختبارات قاسية قبل ان يتم تنصبه كخليفة للمسلمين كما يمكنك ملاحظة ذلك عند زيارتك لقصوره الفارهة في اسطنبول وطوبقابي وكيف كان المسكين يلبس الملابس المهلهلة ويأكل الخبز الناشف وليس له قصور لاحقة بقصور حكمه مخصصة للحريم ولمتعه الجنسية التي لا تنتهي معاذالله كيف للمرء ان يفكر هكذا بامير المؤمنين حفظه الله ورعاه. تلك القصور وتلك الحياة التي تداعب كل الدعاة والمتشددين الاسلامين وذلك القهر والعبودية للشعوب عامة وللنساء خاصة هي الاحلام التي تداعب خيالات المتشددين والعتاة من الاسلامين ولان الحرب خدعة قانون يقره الاسلام ولا يعارض عليه فان التسلل الى قرارات الدول وسنها بما يقارب من تحقيق هذه الاهداف مشروع بل وواجب.
فماذا تريد روسيا بعد هذا البلاء ان تصنع؟
انها بتبنيها لقرار كهذا تضع رجليها على اول مفترق الطرق بين كونها دولة تبحث عن مستقبلها ومستقبل قوميتها وبين التخلي عن الاثنين للمجهول. انها بقرار كهذا نستدعي كل الضباع الجائعة الى غابات جديدة مليئة بالمفاجأت والطرائد لتفترس منها هدوئها وسكينتها. وان ظن احد ما التخوف سببه الخوف على خقوق المرأة ومكانتها فهو محق لان الشعوب المتحضرة تبلغ بر سلامتها وتسير بالطريق الصحيح عندما تبدأ بايجاد الموازنة في علاقة المرأة والرجل وتسن القوانين المتحضرة التي تضمن حقوق كل منهما بشكل عادل وانساني لا ان تعود به الى قانون الغاب والعصبية القبلية. لقد انخفض عدد سكان المجتمع الروسي في الاونة الاخيرة بنسبة حددتها الاحصائيات هناك بنسبة20% مما قرع ناقوس الخطر والبحث عن حلول لهذا التناقص واسبابه الحقيقية...وللحديث بقية لقول المزيد عن هذا الموضوع الذي لا يقل بسوءه ونتائجة الكارثية على المجتمع الروسي عن الحروب الكونية. وهذا ما سيتم تناوله في مقال قادم ان صح لي ذلك.
شذى احمد
shathaah@maktoob.com
الحوار المتمدن - العدد: 2930 - 2010 / 2 / 28
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.