شذى احمد
2012 / 1 / 10
في أول القصة حدثتكم سيداتي وسادتي عن أهم خبر يتصدر الأعلام الألماني لهذه الأيام قصة الملك عفوا صلاحية لان ألمانيا جمهورية لكن صلاحيات رئيسها الفخرية تشبه لحد كبير صلاحيات ملكية دستورية كما اتفقنا في العرض السابق ما علينا هذا ليس موضوع حديثنا بل الموضوع هو سلوك الرئيس وغلطته التي لا يقرها الألمان وتتعالى الأصوات المنددة ببقائه في الرئاسة وتطالبه بالتخلي عن منصبه حيث أظهرت أخر استطلاعات للرأي رغبة 56بالمائة من الألمان بإقالته مقابل 41بالمائة تتفهم أسبابه الإنسانية وما قدمه من تبريرات في لقائه المتلفز .
تركتكم سيداتي وساداتي في الحلقة الماضية عندما كانت جموع من المتظاهرين متجهة إلى البيت الرئاسي الألماني. لكنني على ما أظن لم اصف لكم بعض مظاهرها. بعضهم حمل لافتات . وبعضهم جاء بخيار الزيدي ... عفوا لم تسمعوا قلت خيار الزيدي الذي صار خيارا عالميا . رفعوا الأحذية على أسنة الرماح. متبنين النظرية الزيدية في إظهار رفضهم واحتقارهم لعمل رئيسهم. ولو عرفت بان ألمانيا لا تعرف مثل هذه الثقافة ستتفهم أسباب المعلق وهو يردف حديثه قائلا: لوح بعض من المتظاهرين بأحذية قديمة ـ شوف شوف يعني لازم لكل شيء يعطونه ماركة ألمانية ما عجبهم الحذاء جاءوا بأحذية قديمة وممزقة لكي تصبح نسخة ألمانية للنظرية الزيدية ... ألمان عمي ألمان ـ فتابع المعلق حيث تعد ظاهرة التلويح بالأحذية من وسائل الاحتقار والإهانة في بعض البلاد العربية.
قالت أحداهن : اخجل [فعل أمر مبني على السكون ] .. عار عليك .. ما قمت به أيها الرئيس مدعاة للخزي. قال الأخر : قد يكون محقا بتصرفه كإنسان لكنني لا أريده بعد اليوم رئيسا للبلاد.
قالت ثالثة: أتفهم دوافعه وشرحه لكن هذا لا يبرئ ساحته كرئيس، عليه مغادرة منصبه ، واستغرب لما لم يقدم استقالته إلى الآن.
في بداية الألفية الثالثة خرج العرب بنظرية الزيدي العالمية . صفعته للرئيس الأمريكي بوش جزت ناصية الغطرسة الامبريالية. كسروا أضلاعك أيها العراقي ربما ، أوسعوك الضباع ضربا وتباروا في إيذائك إظهارا لحسن نواياهم وخدمتهم لأسيادهم. عذبوك في غياهب السجن.فعلوا بك ما لم يهتم به مواطنو الرئيس حيث سارعوا باستثمار الحدث لكسب المال الوفير صنعوا من ضربتك القمصان المتهكمة واللعب الالكترونية والعديد من الهدايا وقطع الإكسسوارات المضحكة التي جنت الشركات الربحية منها ملايين الدولارات . بينما في بلدك والبلاد العربية خرجت نظريات الكرم والعادات قرعتك ونالت منك معتبرة فعلتك عيبا لا يوازيه بالفظاعة حتى غزو بلدك وتدميره وتركه ينزف .
لكنك سجلت في سجلات الشعوب نظريتك. تلك التي لم تفلح كل أساطيل بريطانيا وأمريكا من تدوين مثلها، فتحفز الذاكرة الجماعية على تخزينها واستحضارها في مواقفها السياسية. كلما غضب شعب وخرج تذكروا حذاءك الذي صفعت به بوش. تلقائيتك واندفاعك حفر اسمك بوجدان الإنسانية وصرت رمزا نقيا لرفض الفساد والكذب والظلم والقهر مهما بلغت قوته وجبروته.
لا احد يعرف ما ستؤول عليه الأحداث في ألمانيا هل سيصمد الرئيس الذي وعد بطي صفحات الماضي والالتفات لخدمته في منصبه حتى انتهاء سنوات خدمته ام ستجبره الضغوط على الاستقالة. لكن المهم قد حصل. كان على الرئيس الاستيقاظ من حلم نرجسي كريه يعيش ويموت فيه الكثير من الحكام العرب التمتع بخيرات البلاد ..إذلال وتكميم أفواه العباد . قهر كبرياء الرجال وتكبل أدمية النساء واغتصاب حقوقهن على يد أبواقهم التي تعزف ألحانها النشاز ليل نهار في ضرورة حبسهن ومنعهن من ممارسة حقهن في الحياة.
لا يا سيادة الرئيس الحكام الذين زرتهم ويتمتع كل واحد منهم بما ملكت أيمانه من النساء مغدقا عليهن من عطاياه التي سرقها من شعبه وهو يحكمهم بضرورة إطاعة ولي الأمر والنعمة وعدم مخالفته لان بمخالفته مخالفة لأوامر الله ، فهو ظل الله في الأرض وطاعته من طاعة الله.مثل هذا الحاكم وأمثاله.. هؤلاء قوانينهم غير سارية المفعول هنا في ألمانيا.
لعل النسمات العليلة هذه الأيام في بعض دول الخليج العربي التي زرتها قد طابت لك وأطلقت العنان لخيالك فسارعت بتقمص شخصية احد هؤلاء الشيوخ المنمقين الكلمات ألعذبي العبارات مع الأجانب الحادي الملامح والقسمات المستنكفين حتى من مد أيديهم للسلام على البسطاء من رعاياهم بل على الأصح ممن ابتلوا بهم.
سيادة الرئيس سولت لك نفسك الاتصال برئيس احد الصحف وتوبيخه وتهديده ظنا منك بان منصبك سيخرسه. لكنه يا صاحب الفخامة هذا الرجل يرئس منبرا حرا. وصاحب إرادة حرة. ودخل حر يكفله له مجتمع مدني متقدم القوانين والذي ينص على كون جميع المواطنين سواسية أمام القانون.يعني إذا ما تخاصمتما فلن يطرف جفن القاضي في إعطائه الحق إذا كان بصفه ولن يلتفت لثانية واحدة لمنصبك ووظيفتك التي سبقك وسيلحقك فيها الكثير.
لكن الحديث بيننا حضرة الرئيس الألماني كرستيان فولف هذا أفضل و أكرم لك . كلما تلقاه من قسوة عليك الاعتراف بأنه صنيعة يدك أولا. وهي بالتالي مهما بلغت لن تبلغ حد قتلك والتمثيل بجثتك بطريقة بشعة كما حصل مع موسليني في السابق . ولن تحتاج لحرق نفسك مع زوجتك الحسناء مثل هتلر وايفا تجنبا لمثل هذا المصير. ولن يعرضون جثمانك على أرضية كونكريتية بائسة ويعبث برأسك العنيد مجموعة من الرعاع الغاضبين كما هو الحال مع العقيد ألقذافي.
ستبقى محتفظا بسلامتك الجسدية وستعامل بمنتهى الرقي وفقا للقوانين الألمانية المتحضرة إذا ما تم إقصائك من منصبك. وسيمكنك الجلوس في أي مكان او مقهى في العاصمة والمدن الألمانية الأخرى، فيمر بك الكثير يسألونك بود وبعضهم سيكون معك . الآخر ضدك لا يهم لكن المهم لا احد سيشهر مسدسه لانقاد البشرية من شرورك . حيث تكون رصاصة الرحمة هي الخيار الوحيد والرد الدامي على جرائمك التي اقترفتها بحق من سلطت حاكما على رقابهم.
هذا هو الفرق سيادة الرئيس بين المجتمع المدني الذي حققته الدولة الصناعية الكبرى ألمانيا وإقطاعيات البلاد العربية . ذلك المجتمع المدني الذي يخشى أنصاف المتعلمين والدعاة المتاجرين بالدين من وصوله إلى بلادك أيها العربي الشرقي حيث يلغي دورهم الممل البائس ويعطيك حقك بالحياة. هذا هو الفرق الذي تطبع لأجله الإعلانات المشوهة ثم تعلق على ذاكرة الشعوب المغلوبة على أمرها لتخويفها من الامتثال لأحكامها وقوانينها.
هذه هي الدول سيدتي وسيدي التي يردف المتخذ من الدين وسيلة لكسبه السياسي والمادي ذاك الذي لا يعرف الا عدد زيجات السلف الصالح وطرق متعة الخلف الجامح يردف حديثه كل مرة بالقول : لا نريد فساد بناتنا وضياع أبنائنا . لا نريد تقليد الغرب الكافر الذي لا يقيم لشرائع الله وزنا. لا نريد لنسائنا مصيرا مثل مصير الغربيات البائس ..
ولكنه يغفل متعمدا ،وعن قصد تكملة الجملة .. ولا نريد لرجالنا هامات عالية ، وكرامة مصانة ، وحق في ثروات السواد وإدارة البلاد وفق مبدأ تقدم الأصلح للحكم.