شذى احمد
2012 / 1 / 1
خضرة الحقول لا تخزن البارود ، طراوة الأشجار لا تعرف رائحة الرصاص . لذا تراها توغل صدور ساكنيها بالحب والمودة!. كانا فلاحين تقاسما منذ ميلادهما جيرة حسنة. يتشابهان بكل شيء. معرفة الحقول . فنون زراعتها.ربها وبذورها مواسم حصادها الخ الخ .
لما تزوجا وعد يوسف جاره بان يطلق على ابنه اسمه. هكذا في لحظة صفاء ولم يزد.
لما أنجبت امرأته تؤما سمى الأول عبود والثاني حنا على اسم أبيه. وصار الجميع يدلل الأول بعبوده ولان اغلب جيرانه مسلمون أصبح اسمه ابو عبوده. كبر الصغيران، ولعبا مع صغار الحي وتخطيا سنوات المدرسة وخطت لهما بلدهما طريقهما مثل الآخرين بلا إرادة . ذهبا الى الحرب جنبا الى جنب. واسماهما لا يطابق قصتهما مهما سردت.
اقتربا من الموت ، كشر عن أنيابه لكنه لم يكن جادا كفاية لأخذهما لما تعرضا للمخاطر . مضت سنوات الحرب العجاف عادا معا الى مدينتها وأداما خضرة حقولهما لتسير قصتهما برتابة كل القصص التي نصنعها صباح مساء.
حتى خيم طاعون الموت ، وتهدمت أسوار البلاد ، وصار يدخلها وينهبها كل من هب ودب. وفاحت رائحة البارود والموت على رائحة الدراق والياسمين. و غزت أسراب الجراد الحاقد على سنابل الحقول مخلفة إياها يباب.
داست الأحذية السميكة زهور الحقول النضرة. لترمق ساكنيها وتنذرهم بالفناء.
- ما أسمك ؟
- عبود
- أسمك الكامل؟
- عبود يوسف
- انت مسيحي
- نعم أنا كذلك
اسمع عليك مغادرة المكان خلال ثلاثة أيام .ان عدنا بعدها ورأيناك ستكون نهايتك .
لم يكترث عبود. لم يقلق حنا الذي غادر البلاد بعدما لاقى نفس هذا التهديد . فغادر وأسرته بصمت بعيدا حيث لا يمكنه حتى سقاية جذوره بالدموع.
لن ارحل قرر عبود البقاء. لا يمكنهم قتل كل من لا يريدونه. روى للجيران والأصدقاء. لكنهم جميعا أقل حيلة منه. لا سلاح بأيديهم سوى صدور عارية ، وأمنيات لا تغني من جوع.
ومثل الآلاف أيضا قتلوه. قصته تشبه قصصهم. ودموع من بكى عليه لا تختلف بقطرة واحدة عن دموع ذرفت لمن سقطوا قبله ، ولما ستختلف عما سيسقط بعده.
وحنا ظل قلقاً يضرب أخماسا بأسداس. رمى بأوراقه بعيدا. وتلفت يتفرس وجوه من حوله. لما لا يرد عبود على الهاتف. الساعة تقترب من منتصف الليل . لحظات وتلد سنة جديدة.
هل حدث له مكروه. عبود عصاه التي كان يتوكأ بها في غربته. تعينه على خوار العزم والهمة .قلة الحيلة . وحشة الفراغ . سكون الأحلام .
كان عبود عصاه وحفنة التربة التي عرف سرها وألوان حنتها.
وكان عبود عصاه التي يهش بها غنمات أمنياته. فتكبر وتكبر ليبيعها كل مرة بأمل يتجدد بغد يأتي.
حنا حائر وحيد . بحث عن أوراقه وراح يقرأها بصوت عالٍ . فاضت عيون من حوله بالدموع. أطلق ضحكات متقطعة خنقتها عبراته وهو يصيح: عبود لن يرد على هاتفي من لي في ليلتي .
انا يا حنا .. هنا بعيدة عنك وعنه مئات الكيلومترات. سأروي لك نكتة. وسأستمع لفصولك مهما تقاطعت تفاصيلها مع فصول الآخرين المهجرين المذبوحين ، ألمسلوبي الحق في وطنهم الضائع. إنا من سيستمع لك يا حنا . هات . اسمعني . ما هي نكتك التي أعددتها. عبود هنا رغم انف قاتليه. محلقاً في سماء الأبد يصله صوتك أوضح من ذي قبل. هات اسمعنا يا حنا. الوقت قصير لا تضيعه بالاحتفال بالقتلة وتمجيد صنائعهم بالهم ،والحزن. هات حنا ما عندك ابتسم. ابتهج. دع غيضك يحترق مثل عود البخور. واستمع للكلمات الجميلة التي تسبق ترانيم الميلاد على محراب عالم يغار من الجمال فيجرحه بين الحين والآخر. هات حنا ما عندك. لا تبقى حائرا . التقط أوراقك. سنصغي لك جميعا مع عبود.
و إنا ساعد لك للتوي هديتي التي أحضرتها لك من رحلتي الصيفية.
http://www.4shared.com/office/jebzhWzY/San_Pietro.html
هناك حيث عثرت على حجر رحى عمره إلفي سنة. وكنيسة عامرة بالذكريات يقترب عمرها من عمر الرحى المحفور على احد جوانبها. و.. و.. كل عام وأنت وعبود بخير . كل عام وحقول الخضرة بخير. كل عام ورائحة الدراق والياسمين بخير. كل عام وأجراس الكنائس بخير. كل عام وأصوات الحب بخير. كل عام ، ومن دعا وجاء بالسلام بخير. وكلماته بقلوب الحالمين بخير.. المجد لصبر المتعبين. المجد للمحرومين المسحوقين . الحالمين بأرض يعمها السلام.
ملاحظة: حقا ولد لمسيحي ولد واسماه على اسم صديقه عبود وهذه قصة حقيقية وهم من أصدقاء العائلة .