شذى احمد
2011 / 12 / 29
يعلم أساتذة واصطوات فنون القتال الأعزل تلامذتهم مبادئ النزال الأولية التي تتقدمها جميعا الثقة بالنفس ، والتواضع والصبر ..... الخ الخ الخ .. ثم تأتي تقنية القتال، فبدون الركائز أعلاه لا يمكن النجاح وخوض النزال أصلا.
ويلاحظ معي كل من يطلع على تفاعل المتخوفين من نزال الإسلاميين في معركة قيادة المجتمع روحا انهزامية تضيء سماء خصومهم وتمدهم بالقوة والعزم . وتعبد لهم طريق التقدم والنجاح والسؤال الأهم لما..وهل حقا هذا ما يريده التنويريين الليبراليون العلمانيون التقدميون المثقفون الداعون للعدالة الاجتماعية والحالمون بمجتمع تسوده قيم الديمقراطية ألحقه؟.
مؤكد سيجيب المرء لا. أذن أين البداية وأي الطرق علينا الإشارة إليها للوصول لقلاع محصنة يمكننا فيها إقامة مجتمعات أحلامنا. ربما هذا الذي كتب على مدخلة يافطة ،،، تخصص ،،، تماما مثلما قرأت. ينقص القوى الثورية اليسارية بكل أطيافها التفكير بالتخصص. بمعنى التعاون فيما بينها للحديث بالتخصص.
الكل يدلو بدلوه كلما فاض به الكيل ويتحدث مستشهدا بمعلومة دينية مستلة من كتاب ما ، أو تاريخية أم اجتماعية. طبيبة فلكية وما شاكل ذلك. لكننا ننسى أهمية التخصص في أذن ووجدان وتلقي القارئ ... الجمهور الذي يريد الحديث معه. لو اتسع وقتكم سأضرب لكم أمثلة.. لو تحدث يساري . شيوعي . علماني . ملحد .... عن حقائق دينية باعتقادكم كيف سيتقبله القارئ البسيط . سيستمع له من وراء حاجز نفسي تربى عليه مفاده الحذر من مضيعي مستقبل العرب هؤلاء الكفرة الملحدين المتصهينين خدام الاستعمار ، وأعوان الأجنبي وباقي الألقاب التي تراها منثورة حولك. لكن عندما يتحدث عالم تربي في تلك المدارس الدينية ونشأة فيها ، يرتدي جلبابها وعرف خباياها ، وسلخ سنوات عمره في تسبير أغوارها وكشف مستورها سيحدثه بلا وسيط ، وأنت ستكون أمامك أطروحاته مراجع ومصادر كل ما عليك فعله التواضع والنزول من برجك العاجي و الإيمان بانجاز هذا العالم الفكري والعمل معه لا التعالي عليه حيث تقتضي مصلحتك الإنسانية . أليس كذلك ؟.
لو تحدث العشرات من اليساريين عن الخمس وملئوا الصفحات فلن يهز وجدان شيعي بسيط واحد يدمي ظهره ويشج رأسه كل سنة ويضيع زهرة شبابه في ترديد أناشيد حزينة على من ماتوا منذ ألاف السنين . لكن عندما يتحدت عالم بفصاحة ومقدرة احمد القبانجي ويشرح لك بالصوت والصورة والأدلة وهو شيعي المولد والمنشأ والتعلم رغم تحليقه كمفكر متجدد عن الدين ومذاهبه . هذا العالم يشرح للشيعة قبل السنة وبمنهجية ولغة رصينة خالية من فجاجة السخرية ، والتعرض التي يتعمدها متحدثي كل مذهب للنيل من أصحاب المذهب الآخر سارداً بإسناد من أين أتت جباية أموال المسلمين الشيعة تحت ذريعة ما يسمى الخمس ولما ألزموا بها، فلا يبقى للشيعي الا الاستماع والمقارنة. ثم يبقى لك أنثى كنت أم ذكر جاهز شهادته التي تزيدك قوة وتضيف لحججك النبيلة في التغيير حجة دامغة لا مجال لإنكارها.
وكذا الأمر في كل الاختصاصات الأخرى ومنها الطب على سبيل المثال وخير مثال لنا زميل الحوار وصديقي الذي افتخر بصداقته الدكتور يونس حنون فهذا الطبيب يعيش معه الحلم كل يوم ، وسطوره تقول حتى في تفاصيل مهنته كلما حاول الدجالون والملفقون ابتداع كذبة وتفنيدها بالظواهر الغيبية طبيا لتخدير العقول وجدته هناك ما تسنى له طبعا الاطلاع على الأمور، فهو بالتالي بشر وله حياة تشبه حياتنا ومسؤوليات واهتمامات ،وأسرة لا تترك له خيار الإلمام بكل شيء. لكن مع هذا كلما جاءنا احدهم بكذبه تصدى لها وفندها، لا يستطيع خصمه الرد فان أراد التباهي بالاختصاص فهو هنا ، وان أراد التعرض لفهم المسألة فهو يقارع أستاذا علم تلامذته أصول الطب. وتجربة الدكتور يونس حنون تضع بين يديك حجة تفيدك في مسعاك ، وتسلحك بما لا تنفذ ذخيرته من منطقية الطرح،وعلمية معلوماته، ومنهجيته ، فعندما يمرض احدنا يعلم بان دواءه عند الطبيب.
هذا التعاون فيما بين الاختصاصات المختلفة يعبد أمام الحائرين طريقا عمليا للنجاح. يوفر الجهد و يوضح الهدف ويضع أسسا راسخة للنضال الحتمي ، ويمنح تجمعات اليساريين بكل أطيافها حصونا منيعة تصد عنهم هجمات الخصوم الذين لا يتوانون في فعل أي شيء للوصول والاستحواذ على السلطة.
الاختصاصات والعناية بها تعلم العاملين في قطاع الفكر بعض التواضع. يحترم المرء كقارئ كل الكتاب والمفكرين نساءا كانوا أم رجالاً. ويتفهم مع الزمن نرجسية بعضهم، لكنه يستشيط غضبا بين الحين والأخر إذا ما اطلع على رسائل هؤلاء الصوتية منها أم الخطية. تسنى لي قبل أيام رؤية فديو على الحوار يجمع فرج فوده في ندوة الى جانب الدكتورة نوال السعداوي . وإذا بي اسمعه يقول .. حتى الكتبة نص كم.. واسأله رغم انه في وضع الآن لا يسمح له بالرد. إي نص كم دي .. إي نص كم يا أستاذ فوده. مش عيب . حد يقول كده على إنسان يعمل معه في ميدان الفكر أيا كان حجمه ومقدار عطائه ، وسعة ثقافته . هو حضرتك بلا مؤاخذه قاعد في سوق خضار أم ندوه فكرية. هذا التعالي هو ما حجم دور المثقفين والإصلاحيين والأصح حرق بيادر الخيرين منهم. عندما تستمع لهذا المفكر صاحب الكم الكامل تشعر بالشبع ، وتقفل راجعا الى غياهب المجهول لان السيد مشغول بالكم ونصفه والعالم يحترق.
احد أسباب خسارة اليساريين ليس فقط إمكانيات خصومهم ، وغياب وعي جماهيرهم بل حقيقة كون بعضهم متعالي مترفع ، متكبر حتى على نظرائه فكيف يريد القيادة وهو يستنكف ويتندر بعبارته القاسية ،ونعوته السمجة على الآخرين.